الخميس، 7 أغسطس 2008

في زمن الردة والبهتان

في زمن الردة والبهتان

اكتب ما شئت ولا تخجل فالكفر مباح

ضع ألف صليب وصليب فوق القرآن

وارجم آيات الله ومزقها في كل لسان

لا تخش الله ولا تطلب صفح الرحمن

فزمان الردة نعرفه.. زمن العصيان بلا غفران

إن ضل القلب فلا تعجب أن يسكن فيه الشيطان

لا تخش خيول أبي بكر.. أجهضها جبن الفرسان

وبلال الصامت فوق المسجد.. أسكته سيف السجان

أتراه يؤذن بين الناس بلا استئذان؟!

أتراه يرتل باسم الله ولا يخشى بطش الكهان

فاكتب ما شئت ولا تخجل.. فالكل مهان

واكفر ما شئت ولا تسأل فالكل جبان

الأزهر يبكي أمجادًا ويعيد حكايا ما قد كان

والكعبة تصرخ في صمت بين القضبان

والشعب القابع في خوف ينتظر العفو من السلطان

والناس تهرول في الطرقات يطاردها عبث الفئران

والباب العالي يحرسه بطش الطغيان

أيام الأنس وبهجتها والكأس الراقص والغلمان

والمال الضائع في الحانات يسيل على أيدي الندمان

فالباب العالي ماخور يسكنه السفلة والصبيان

يحميه السارق والمأجور ويحكمه سرب الغربان

جلاد يعبث بالأديان وآخر يمتهن الإنسان

والكل يصلي للطغيان.. أسالك بربك يا سلمان:

هل تجرؤ أن تكسر يومًا أحد الصلبان؟!

أن تسخر يومًا من عيسى أو تلقي مريم في النيران!!

ما بين صليب.. وصليب أحرقت جميع الأديان

فاكتب ما شئت ولا تخجل فالكل مهان

خبرني يومًا.. حين تفيق من الهذيان: هل هذا حق الفنان؟!

أن تشعل حقدك في الإنجيل وتغرس سمك في القرآن!!

أن ترجم موسى أو عيسى أو تسجن مريم في القضبان!!

أن يغدو المعبد والقداس وبيت الله مجالس لهو للرهبان؟!

أن يسكر عيسى في البارات ويرقص موسى للغلمان

هل هذا حق الفنان؟

أن تحرق دينًَا في الحانات، لتبني مجدك بالبهتان؟!

أن تجعل ماء النهر سمومًا تسري في الأبدان؟!

لن يشرق ضوء من قلب لا يعرف طعم الإيمان

لن يبقى شيء من قلم يسفك حرمات الإنسان

فاكفر ما شئت ولا تخجل ميعادك آتٍ يا سلمان

دع باب المسجد يا زنديق.. وقم واسكر بين الأوثان

سيجيئك صوت أبي بكر ويصيح بخالد: قم واقطع رأس الشيطان

فمحمد باقٍ ما بقيت دنيا الرحمن

وسيعلو صوت الله.. ولو كرهوا في كل زمان.. ومكان

الاثنين، 31 مارس 2008

عتاب من القبر..


يا أيها الطيف البعيد

في القلب شيء.. من عتاب

ودعت أيامي و ودعني الشباب

لم يبق شيء من وجودي غير ذرات التراب

و غدوت يا دنياي وحدي لا أنام

الصمت ألحان أرددها هنا وسط الظلام

لا شيء عندي لا رفيق.. و لا كتاب

لم يبق شيء في الحنايا غير حزن.. و اكتئاب

فلقد غدوت اليوم جزءا من تراب

بالرغم من هذا أحن إلى العتاب..

* * *

أعطيتك الحب الذي يرويك من ظمأ الحياة

أعطيتك الأشواق من عمر تداعى.. في صباه

قد قلت لي يوما:

((سأظل رمزا للوفاء

فإذا تلاشى العمر يا عمري

ستجمعنا السماء))

* * *

و رحلت يوما.. للسماء

و بنيت قصرا من ظلال الحب

في قلب العراء

و أخذت أنسج من حديث الصمت

ألحانا جميلة..

و أخذت أكتب من سطور العشق

أزجالا طويلة

و دعوت للقصر الطيور

و جمعت من جفن الأزاهر

كل أنواع العطور

و فرشت أرض القصر

أثواب الأمل

و بنيت أسوارا من الأشواق

تهفو.. للقبل

و زرعت حول القصر زهر الياسمين

قد كنت دوما تعشقين الياسمين

و جمعت كل العاشقين

فتعلموا مني الوفاء

و أخذت أنتظر اللقاء..

* * *

و رأيت طيفك من بعيد..

يهفو إلى حب جديد

و سمعت همسات الهوى

تنساب في صوت الطبول..

لم خنت يا دنياي؟!

أعطيتك الحب الذي يكفيك عشرات السنين

و قضيت أيامي يداعبني الحنين..

ماذا أقول؟

ماذا أقول و حبي العملاق في قلبي.. يثور؟

قد صار لحنا ينشد الأشواق في دنيا القبور

قد عشت يا دنياي أحلم.. باللقاء

و بنيت قصرا في السماء

القصر يا عمري هنا أبقى القصور

فهواك في الدنيا غرور في غرور..

* * *

ما أحقر الدنيا و ما أغبى الحياة

فالحب في الدنيا كأثواب العراة

فإذا صعدتم للسماء..

سترون أن العمر وقت ضائع وسط الضباب..

سترون أن الناس صارت كالذئاب

سترون أن الناس ضاعت في متاهات الخداع..

سترون أن الأرض تمشي للضياع

سترون أشباح الضمائر

في الفضاء.. تمزقت

سترون آلام الضحايا

في السكون.. تراكمت

و إذا صعدتم للسماء..

سترون كل الكون في مرآتنا

سترون وجه الأرض في أحزاننا..

* * *

أما أنا

فأعيش وحدي في السماء

فيها الوفاء

و الأرض تفتقد الوفاء

ما أجمل الأيام في دنيا السحاب..

لا غدر فيها, لا خداع, و لا ذئاب

قد نلتقي



أترى يعود لنا الربيع و نلتقي

و نعيش ((مارس)) بين حلم مشرق؟

قد نلتقي يا حبي المجهول رغم وداعنا

كي نزرع الآمال تنشر ظلها..

و ستنبت الآمال بين.. دموعنا

لا تجزعي..

لا تجزعي إن كانت الأيام قد عصفت بنا

فغدا يعود لنا اللقاء

و تعود أطيار الربى

سكرى تحلق في السماء

* * *

و سترجعين لتذكري أيامنا

فلنا وليد مات حزنا بيننا

ثم انتهى..!

في كل يوم في المنام يزورني

فيثور جرح في الفؤاد يلومني

ما ذنبه المسكين مات و لم يزل

طفلا تعانقه.. الحياة

ما ذنبه المسكين مات بلا أمل..!

سنزور قبر الطفل يا أمل الحياة..

و نقيم فوق القبر أوقات الصلاة

و نعانق الأشواق بين ظلاله

و هناك نسجد في رحاب جماله

و نعود نذكر ما طوت منا السنين

و على تراب القبر سوف تضمنا أشواقنا

و هناك.. يجمعنا الحنين

فغدا سأزرع في رباه الياسمين

كي نلتقي تحت الظلال مع المنى..

و نعود مثل العاشقين..

* * *

يا طفلنا المحبوب لا تخش النوى

فغدا سيجمعنا الربيع و نلتقي..

و نراك في الثوب الجميل الأزرق..

و نراك كالعمر القديم المشرق..

إن كان صمت القبر في ليل الدجى

يضفي عليك مرارة الأموات

فسأرسل الأشعار لحنا.. هادئا

ينساب سحرا في صدى كلماتي

ما كان لي في العمر غيرك بعدما

عفتُ الحياة فقد جعلتك ذاتي

إن عز في هذا الربيع لقاؤنا

سنعيش ننتظر الربيع الآتي

أترى يعود لنا الربيع و نلتقي؟

قد نلتقي!!

بقايا أمنية


مازال في قلبي بقايا .. أمنية

أن نلتقي يوماً ويجمعنا .. الربيع

أن تنتهي أحزاننا

أن تجمع الأقدار يوماً شملنا

فأنا ببعدك أختنق

لم يبقى في عمري سوى

أشباح ذكرى تحترق

أيامي الحائرة تذوب مع الليالي المسرعة

وتضيع أحلامي على درب السنين الضائعة

بالرغم من هذا أحبك مثلما كنا .. وأكثر

مازال في قلبي.... بقايا أمنية

أن يجمع الأحباب درب

تاه منا .. من سنين

القلب يا دنياي كم يشقى

وكم يشقى الحنين

يا دربنا الخالي لعلك تذكر أشواقنا

في ضوء القمر

قد جفت الأزهار فيك

وتبعثرت فوق أكف القدر ..

عصفورنا الحيران مات .. من السهر

قد ضاق بالأحزان بعدك .. فانتحر

بالرغم من هذا

أحبك مثلما كنا .. وأكثر

في كل يوم تكبر الأشواق في أعماقنا..

في كل يوم ننسج الأحلام من أحزاننا..

يوماَ ستجمعنا الليالي مثلما كنا ..

فأعود أنشد للهوى ألحاني

وعلى جبينك تنتهي أحزاني..

ونعود نذكر أمسيات ماضية

وأقول في عينيك أعذب أغنية

قطع الزمان رنينها فتوقفت

وغدت بقايا أمنية

أواه يا قلبي ..

بقايا أمنية

لقاء الغرباء..


علمتني الأشواق منذ لقاءنا

فرأيت في عينيك أحلام العمر

و شدوت لحنا في الوفاء.. لعله

ما زال يؤنسني بأيام السهر

و غرست حبك في الفؤاد و كلما

مضت السنين أراه دوما.. يزدهر

و أمام بيتك قد وضعت حقائبي

يوما و ودعت المتاعب و السفر

و غفرت للأيام كل خطيئة

و غفرت للدنيا.. و سامحت البشر

* * *

علمتني الأشواق كيف أعيشها

و عرفت كيف تهزني أشواقي

كم داعبت عيناي كل دقيقة..

أطياف عمر باسم الإشراق

كم شدني شوق إليك لعله

ما زال يحرق بالأسى أعماقي..

أو نلتقي بعد الوفاء.. كأننا

غرباء لم نحفظ عهودا بيننا

يا من وهبتك كل شيء إنني

ما زلت بالعهد المقدس.. مؤمنا

فإذا انتهت أيامنا فتذكري

أن الذي يهواك في الدنيا.. أنا

عندما ننتظر القطار


قالت: سأرجع ذات يوم

عندا يأتي الربيع..

و جلست أنظر نحوها

كالطفل يبكي غربة الأبوين

كالأمل الوديع

تتمزق الأيام في قلبي

و يصفعني الصقيع

كان الخريف يمد أطياف الظلال

و الشمس خلف الأفق تخنقها الروابي.. و الجبال

و نسائم الصيف العجوز

تدب حيرى.. في السماء

و أصابع الأيام تلدغنا

و يفزعنا الشتاء

و الناس خلف الباب تنتظر القطار..

و الساعة الحمقى تدق فتختفي

في الليل أطياف النهار

و اليأس فوق مقاعد الأحزان

يدعوني.. فأسرع بالفرار

* * *

الآن قد جاء الرحيل..

و أخذت أسأل كل شيء حولنا

و نظرت للصمت الحزين

لعلني.. أجد الجواب

أترى يعود الطير من بعد اغتراب؟

و تصافحت بين الدموع عيوننا

و مددت قلبي للسماء

لم يبق شيء غير دخان

يسير على الفضاء

و نظرت للدخان شيء من بقايا يعزيني

و قد عز اللقاء..

* * *

و رجعت وحدي في الطريق

اليأس فوق مقاعد الأحزان

يدعوني إلى اللحن الحزين

و ذهبت أنت و عشت وحدي.. كالسجين

هذي سنين العمر ضاعت

و انتهى حلم السنين

قد قلت:

سوف أعود يوما عندما يأتي الربيع

و أتي الربيع و بعده كم جاء للدنيا.. ربيع

و الليل يمضي.. و النهار

في كل يوم أبعث الآمال في قلبي

فأنتظر القطار..

الناس عادت.. و الربيع أتى

و ذاق القلب يأس الانتظار

أترى نسيت حبيبتي؟

أم أن تذكرة القطار تمزقت

و طويت فيها.. قصتي؟

يا ليتني قبل الرحيل تركت عندك ساعتي

فلقد ذهبت حبيبتي

و نسيت.. ميعاد القطار..!

الرحيل


قالت:

لأن الخوف يجمعنا.. يفرقنا

يمزقنا.. يساومنا ويحرق في مضاجعنا الأمان

وأراك كهفا صامتا لا نبض فيه.. ولا كيان

وأرى عيون الناس سجنا.. واسعا

أبوابها كالمارد الجبار

يصفعنا.. ويشرب دمعنا

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

ثيابك لم تعد تحميك من قهر الشتاء

وتمزقت أثوابنا

هذي كلاب الحي تنهش لحمنا

ثوبي تمزق هل تراه؟

صرنا عرايا في عيون الناس يصرخ عرينا

البرد والليل الطويل

العري واليأس الطويل

القهر والخوف الطويل

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

لعلك تذكر الطفل الصغير

قد كان أجمل ما رأت عيناك في هذا الزمان

يوما أتيتك أحمل الطفل الصغير

كم كنت أحلم أن يضيء العمر في زمن ضرير

أتراك تذكر صوته

كما كان يحملنا بعيدا..

كم كان يمنحنا الأمان.. على ثرى زمن بخيل

الطفل مات من الشتاء

يوما خلعت الثوب كي أحميه..

مضيت عارية ألملم في صغيري

كل ما قد كان عندي من رجاء..

لم ينفع الثوب القديم

الطفل مات من الشتاء

والبيت أصبح خاليا

أثوابنا وتمزقت

أحلامنا وتكسرت

أيامنا وتآكلت

وصغيرنا قد مات منا في جوانحنا دماه

ماذا فعلت لكي تعيد له الحياة؟

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

تعال الآن نهتف بين جدران السكون

قل أي شيء عن حكايتنا

عن الإنسان في زمن الجنون

اصرخ بدمعك أو جنون في الطريق

اصرخ بجرحك في زمان لا يفيق

قل أي شيء

قل إنه الطوفان يأكلنا و يطعم من بقايانا

كلاب الصيد و الغربان.. و الفئران في الزمن العقيم

قل ما تشاء عن الجحيم

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

لأنك جئت في زمن كسيح

قد ضاع عمرك مثل عمري.. في ثرى أمل ذبيح

دعني وحالي يا رفيقي هل ترى.. يشفى جريح من جريح؟

حلمي وحلمك يا حبيبي مع ضريح

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

سأسأل عنك أحياء المدينة في خرائبها القديمة

شرفاتها الثكلى أغانيها العقيمة

وأقول كان العمر أقصر من أمانيه العظيمة

لا تنس انك في فؤادي حيث كنت

وحيث يحملني الطريق

سأظل أذكر أن في عينيك قافلتي.. وعاصفتي

وإيماني العميق

بأن حبك جنة كالوهم ليس لها طريق

لا تنس يوما عندما يأتي الزمان

بحلمنا العذب السعيد

فتش عن الطفل الصغير

وذكره بي..

واحمل إليه حكاية وهدية في يوم عيد..

الآن قد جاء الرحيل..

ما بعد رحيل الشمس



ما بعد رحيل الشمس

(1)

الوقت..

عين الليل يسبح في شواطئها السواد

والدرب يلبس حولنا ثوب الحداد

شيخ ينام على الرصيف

قط وفأر ميت القط يأكل في بقايا الفأر ثم يدور يرقص في عناد

والشيخ يصرخ جائعا ويصيح: يا رب العباد

هذا زمان مجاعة و الناس تسقط كالجراد

العمر

يا للعمر وقت ضائع

عام مضى.. عامان.. عشر

لست أعرف كم مضى..

فالعمر في قدم الرياح

والليل يلتهم الصباح

والجرح ينزف بالجراح

* * *

زمني

يقول الناس إني جئت في زمن حزين

وأنا أقول بأنني

قد جئت في الزمن الخطأ

ماذا يفيد صوابنا

إن صارت الدنيا و صارت الناس كالرقم الخطأ؟

خطواتنا الحيرى على هذا الطريق

تردد الأنفاس في أعماقنا

ونعيش في أوهامنا

لكننا نحيا مع الزمن الخطأ

* * *

عنوان أيامي

على المظروف أكتب اسم شارعنا القديم

ما عدت أذكر اسم شارعنا الجديد

الشارع المسكين صار حكاية..

قد غيروه.. وغيروه.. وغيروه

ما عاد يذكر اسمه

لكنني ما زلت أعرف اسم شارعنا القديم

* * *

أما أنا

قالوا بأني كنت يوما فارس العشق القديم

وبأن عمري صار بيتا

من بيوت العنكبوت

ولأنني رغم القبور.. ورغم موت الأرض

أرفض أن أموت

قالوا بأني فارس ما زال يرفض أن يموت

اليوم الأول بعد رحيل الشمس

(2)

ما زال حبك أمنيات حائرات في دمي

أشتاق كالأطفال ألهو.. ثم أشعر بالدوار

وأظل أحلم بالذي قد كان يوما..

أحمل الذكرى على صدري شعاعا..

كلما أختنق النهار

والدار يخنقها السكون

فئران حارتنا تعربد في البيوت

وسنابل الأحلام في يأس تموت

نظرت للمرآة في صمت حزين

العمر يرسم في تراب الوجه أحزان السنين

أصبحت بعدك كالعوز يردد الكلمات

يمضغها وينساها.. ويأكلها

ويدرك أن شيئا لا يقال

ما عدت أعبأ بالكلام

فالناس تعرف ما يقال

كل الذي عندي كلام لا يقال

اليوم الأول بعد المئة لرحيل الشمس

(3)

ولدي يسألني: لماذا أنت يا أبتي حزين..

لم تبتسم من ألف عام

أترى تخاف..

الوحش يا أبتاه في النهر الكبير

قالوا بأن الوحش قد أكل الطيور

ما زال يأكل في الزهور

الوحش يأكلنا ويشرب عمرنا

ويدور في كل الشوارع يخنق الأطفال يعبث بالقبور

الوحش يشرب كل ماء النهر ثم يبول في النهر العجوز

ويعود يشرب من جديد

والنهر بئر من دموع الناس

النهر جرح غائر الأعماق

تنبت في جوانحه الجراح

والوحش يسكر بالجراح

* * *

أشتاق عطرك كلما عادت مع الليل الهموم

ولدي يقول بأنني

لم أبتسم من ألف عام

قلبي وحزن النهر والأيتام في برد الطريق

حزني عنيد لا ينام

اليوم الأول بعد الألف لرحيل الشمس

(4)

في الدرب رائحة ومنديلي قديم

تتسلل الأحزان بين جوانحي

تتزاحم الرعشات بين أصابعي..

قد مات عصفوري الصغير

قد ظل يصرخ في عيون الناس يلتمس النجاة..

سقط الصغير على جناح الدار وانسابت دماه

الريش يعبث في عيوني مثل غيمات الشتاء

ويطير بين جوانحي شبح الدماء

ويصيح في صدري البكاء

عصفورنا في الدرب مات

* * *

يمضي علينا العمر.. والحلم الجميل

ما زال في صمت يقاوم كل أحزان الرحيل

اليوم الأول بعد.. لرحيل الشمس

(5)

أصبحت لا ألقاك صرت سحابة

عبرت على عمري كما يهفو النسيم

ورجعت للحزن الطويل

ما زلت ألمح بعض عطرك بين أطياف الأصيل

يمضي الزمان بعمرنا

الخوف يسخر بالقلوب

واليأس يسخر بالمنى

والناس تسخر بالنصيب

عصفورنا قد مات

من قال إن العمر يحسب بالسنين

* * *

الليل لم يرحم رحيل الزيت من قنديلنا

أخفى شعاعا كان يحمله القمر

والشمعة الثكلى تساقط ضوءها

ثم انزوت تبكي على صدر الظلام

وأنا أحدق.. كل شيء صار بعدك صامتا

الليل والقمر الذبيح

الشمعة الحيرى ومزماري الجريح

من يأخذ الأيام والعمر الطويل

لتعود شمس مدينتي

يا شمس.. فارسك القديم..

مازال يبكي عمره بعد الرحيل

إلى نهر فقد تمرده لماذا استكنت..


وأرضعتنا الخوف عمرا طويلا

وعلمتنا الصمت.. والمستحيل..

وأصبحت تهرب خلف السنين

تجيء وتغدو.. كطيف هزيل

لما استكنت؟

وقد كنت فينا شموخ الليالي

وكنت عطاء الزمان البخيل

تكسرت منا وكم من زمان

على راحتيك تكسر يوما..

ليبقى شموخك فوق الزمان

فكيف ارتضيت كهوف الهوان..

لقد كنت تأتي

وتحمل شيئا حبيبا علينا

يغير طعم الزمان الرديء..

فينساب في الأفق فجر مضيء..

وتبدو السماء بثوب جديد

تعانق أرضا طواها الجفاف

فيكبر كالضوء ثدي الحياة

ويصرخ فيها نشيد البكارة

ويصدح في الصمت صوت الوليد

لقد كنت تأتي

ونشرب منك كؤوس الشموخ

فنعلو.. ونعلو..

ونرفع كالشمس هامتنا

وتسري مع النور أحلامنا

فهل قيدوك.. كما قيدونا..؟!

وهل أسكتوك.. كما أسكتونا؟

* * *

دمائي منك..

ومنذ استكنت رأيت دمائي

بين العروق تميع.. تميع

وتصبح شيئا غريبا عليا

فليست دماء.. ولا هي ماء.. ولا هي طين

لقد علمونا ونحن الصغار

بأن دماءك لا تستكين

وراح الزمان.. وجاء الزمان

وسيفك فوق رقاب السنين

فكيف استكنت..

وكيف لمثلك أن يستكين

* * *

على وجنتيك بقايا هموم..

وفي مقلتيك انهيار وخوف

لماذا تخاف؟

لقد كنت يوما تخيف الملوك

فخافوا شموخك

خافوا جنونك

كان الأمان بأن يعبدوك

وراح الملوك وجاء الملوك

وما زلت أنت مليك الملوك

ولن يخلعوك..

فهل قيدوك لينهار فينا

زمان الشموخ؟

وعلمنا القيد صمت الهوان

فصرنا عبيدا.. كما استعبدوك

* * *

تعال لنحي الربيع القديم..

وطهر بمائك وجهي القبيح

وكسر قيودك.. كسر قيودي

شر البلية عمر كسيح

وهيا لنغرس عمرا جديدا

لينبت في القبح وجه جميل

فمنذ استكنت.. ومنذ استكنا

وعنوان بيتي شموخ ذليل

تعال نعيد الشموخ القديم

فلا أنت مصر.. ولا أنت نيل

وعشقتُ غيري ؟


وأتيتَ تسأل ياحبيبي عن هوايا

هل مايزال يعيش في قلبي ويسكن في الحنايا؟

هل ظل يكبر بين أعماقي ويسري..في دمايا؟

الحبُ ياعمري..تمزقه الخطايا

قد كنتَ يوماً حب عمري قبل ان تهوى..سوايا

***

أيامُك الخضراء ذاب ربيعُها

وتساقطت أزهاره في خاطري..

يامن غرسَت الحب بين جوانحي ..

وملكت قلبي واحتويت مشاعري

للملمت بالنسيان جرحي ..بعدما

ضيعت أيامي بحلم عابر..

*****

لو كنت تسمع صوت حبك في دمي

قد كان مثل النبض في أعماقي

كم غارت الخفقاتُ من همساته..

كم عانقته مع المنى أشواقي

***

قلبي تعلم كيف يجفو ..من جفاني

وسلكت درب البعد ..والنسيانِ

قد كان حبك في فؤادي روضة

ملأت حياتي بهجة ..وأغاني

وأتى الخريف فمات كل رحيقها

وغداالربيع..ممزقَ الأغصان

***

مازال في قلبي رحيقُ لقائنا

من ذاق طعمَ الحب..لا ينساه..

ماعاد يحملني حنيني للهوى

لكنني أحيا..على ذكراهُ

قلبي يعود إلي الطريق ولا يرى

في العمر شيئاً..غيرطيف صبانا

أيام كان الدربُ مثل قلوبنا..

نمضى عليه..فلا يملُ خطانا

يأس الطريـق



سألتُ الطريق : لماذا تعبت ؟ فقال بحزن : من السائرين
أنين الحيارى ..ضجيج السكارى زحام الدموع على الراحلين
وبين الحنايا بقايا أمان وأشلاءُ حب وعمرٌ حزين
وفوق المضاجع عطر الغواني وليلٌ يعربد في الجائعين
وطفلٌ تغرب بين الليالي وضاع غريباً مع الضائعين
وشيخٌ جفاهُ زمانٌ عقيم تهاوت علي رمال السنين
وليلٌ تمزقنا راحتاهُ كأنا خلقنا لكي نستكين
وزهرٌ ترنح فوق الروابي ومات حزيناً على العاشقين
فمن ذا سيرحمُ دمع الطريق وقد صار وحلاً من السائرين
همستُ إلى الدرب : صبراً جميلاً فقال : يئستُ من الصابرين !

عندما يغفـو القدر .. !


ورجعتُ أذكرُ في الربيع عهودَنا .. أيامَ صُغناها عبيراً للزهر
والأغنياتُ الحالماتُ بسحرِها سكرالزمانُ بخمرها وغفا القدر
الليلُ يجمعُ في الصباح ثيابه واللحنُ مشتاقاً يعانقه الوتر
العمر ما أحلاه عند صفائهِ يوم بقربك كان عندي بالعمر
إني دعوت الله دعوة عاشق ألا تفرقنا الحياةُ .. ولا البشر ..
قالوا بأن الله يغفر في الهوى كل الذنوب ولا يسامح من غدر
*** ***
ولقد رجعتُ الآن أذكر عهدنا من خان منا من تنكر .. من هجر !
فوجدتُ قلبك كالشتاء إذا صفا سيعودُ يعصفُ بالطيور .. وبالشجر
يوماً تحملت البعادَ مع الجفا ماذا سأفعلُ خبريني .. بالسهر ؟!
*** ***
ورجعتُ أذكر في الربيع عهودنا سألتُ مارس كيف عُدتَ بلا زهر؟
ونظرتُ لليل الجحود وراعني الليلُ يقطع بالظلام يَدَ القمر
والأغنياتُ الحائراتُ توقفت .. فوق النسيم وأغمضت عين الوتر
وكأن عهدَ الحب كان سحابةً عاشت سنين العُمر تحلم بالمطر
من خان منا صدقيني إنني ما زلت اسأل أين قلبُك .. هل غدر ؟
فلتسأليه إذا خلا لك ساعة كيف الربيع اليومَ يغتالُ الشجر ؟!

الحرف يقتلني

أنا شاعر ..

مازلت أرسم من نزيف الجُرح

أغنية جديدة ..

ما زلت أبني في سجون القهر

أزماناً سعيدة

مازلت أكتبُ

رغم أن الحرف يقتلني

ويلقيني أمام الناس

أنغاماً شريدة ..

أو كلما لاحت أمام العين

أمنية عنيده ..

ينساب سهم طائش في الليل ..

يُسقِطُها .... شهيدة ...

بائع الأحلام

تسألوني الحلم أفلس بائع الأحلام

ماذا أبيع لكم !

وصوتي ضاع وأختنق الكلام

ما زلت أصرخ في الشوارع

أوهم الأموات أني لم أمت كالناس ..

لم أصبح وراء الصمت شيئاً من حطام

مازلت كالمجنون

أحمل بعض أحلامي وأمضي في الزحام

***

لا تسألوني الحُلم

أفلس بائع الأحلام ..

فالأرض خاوية ..

وكل حدائق الأحلام يأكلها البَوَار

ماذا أبيع لكم .. ؟

وكل سنابل الأحلام في عيني دمار

ماذا أبيع لكم ؟

وأيامي انتظار ........ في انتظار

تحت أقدام الزمان

واستراحَ الشـوقُ منـي ..

وانزوى قلبي وحيداً ..

خلف جدرانِ التمنـي

واستكانَ الحـب في الأعماقِ

نبضاً .. غابَ عنّـي

آه يا دنـياي ..

عشتُ في سجني سنيناً

أكرهُ السجانَ عمري

أكره القيدَ الذي

يقصيك .. عني

جئتُ بعدك كي أغنّـي

تاه منّـي اللحنُ

وارتَجَفَ المغنّـي

خانني .. الوتـر الحزين

لم يعُد يسمعُ منّـي

هل ترى أبكيك حباً

أم تُرى أبكيك عمراً

أم ترى أبكي .. لأني

صرتُ بعدك .. لا أغنـي

***

آه يا لحناً قضيتُ العمـرَ

أجمعُ فيه نفسي !!

رغم كل الحـزنِ

عشتُ أراهُ أحلامي

ويأسي ..

ثم ضاع اللحـنُ منّـي

واستكـانْ

واستـراح الشوقُ

واختنقَ الحنـــانْ

***

حبنا قد ماتَ طفلاً

في رفاتِ الطفلِ

تصرخُ مهجتانْ

في ضريحِ الحبّ

تبكي شمعتانْ

هكذا نمضي .. حيارى

تحت أقدام الزمـانْ

كيف نغرقُ في زمانٍ

كل شيءٍ فيهِ

ينضحُ بالهـوانْ

وأنت الحقيقة لو يعلمون

يقولون عني كثيرا كثيرا

وأنت الحقيقة لو يعلمون

لأنك عندي زمان قديم

أفراح عمر وذكرى جنون

وسافرت أبحث في كل وجه

فألقاك ضوءا بكل العيون

يهون مع البعد جرح الأماني

ولكن حبك لا.. لا يهون

* * *

أحبك بيتا تواريت فيه

وقد ضقت يوما بقهر السنين

تناثرت بعدك في كل بيت

خداع الأماني وزيف الحنين

كهوف من الزيف ضمت فؤادي

وآه من الزيف لو تعلمين

* * *

لماذا رجعت زمانا توارى

وخلف فينا الأسى والعذاب

بقاياي في كل بيت تنادي

قصاصات عمري على كل باب

فأصبحت أحمل قلبا عجوزا

قليل الأماني كثير العتاب

* * *

لماذا رجعت وقد صرت لحنا

يطوف على الأرض بين السحاب؟

لماذا رجعت وقد صرت ذكرى

ودنيا من النور تؤوي الحيارى

وأرضا تلاشى عليها المكان؟

لماذا رجعت وقد صرت لحنا

ونهرا من الطهر ينساب فينا

يطهر فينا خطايا الزمان؟

فهل تقبلين قيود الزمان؟

وهل تقبلين كهوف المكان؟

أحبك عمرا نقي الضمير

إذا ضلل الزيف وجه الحياة

* * *

أحبك فجرا عنيد الضياء

إذا ما تهاوت قلاع النجاة

ولو دمر الزيف عشق القلوب

لما عاش في القلب عشق سواه

دعيني مع الزيف وحدي وسيفي

وتبقين أنت المنار البعيد

وتبقين رغم زحام الهموم

طهارة أمسي وبيتي الوحيد

أعود إليك إذا ضاق صدري

وأسقاني الدهر ما لا أريد

أطوف بعمري على كل بيت

أبيع الليالي بسعر زهيد

لقد عشت أشدو الهوى للحيارى

و بين ضلوعي يئن الحنين

وقد استكين لقهر الحياة

ولكن حبك لا يستكين

يقولون عني كثيرا كثيرا

وأنت الحقيقة لو تعلمين

في هذا الزمن المجنون

لا أفتح بابي للغرباء

لا أعرف أحدا

فالباب الصامت نقطة ضوء في عيني

أو ظلمة ليل أو سجان

فالدنيا حولي أبواب

لكن السجن بلا قضبان

والخوف الحائر في العينين

يثور ويقتحم الجدران

والحلم مليك مطرود

لا جاه لديه ولا سلطان

سجنوه زماناً في قفص

سرقوا الأوسمة مع التيجان

وانتشروا مثل الفئران

أكلوا شطآن النهر

وغاصوا في دم الأغصان

صلبوا أجنحة الطير

وباعوا الموتى والأكفان

قطعوا أوردة العدل

ونصبوا ( سيركاً ) للطغيان

في هذا الزمن المجنون

إما أن تغدوا دجالاً

أوتصبح بئراً من أحزان

لا تفتح بابك للفئران

كي يبقى فيك الإنسان !

أحزان ليلة ممطرة

السقف ينزف فوق رأسي

والجدار يئن من هول المطر

وأنا غريق بين أحزاني تطاردني الشوارع للأزقة .. للحفر !

في الوجه أطياف من الماضي

وفي العينين نامت كل أشباح السهر

والثوب يفضحني وحول يدي قيد لست أذكر عمرهُ

لكنه كل العمر ..

لا شيء في بيتي سوى صمت الليالي

والأماني غائمات في البصر

وهناك في الركن البعيد لفافة

فيها دعاء من أبي

تعويذة من قلب أمي لم يباركها القدر

دعواتها كانت بطول العمر والزمن العنيد المنتصر

أنا ماحزنت على سنين العمر طال العمر عندي .. أم قصر

لكن أحزاني على الوطن الجريح

وصرخة الحلم البريء المنكسر

...

فالماء أغرق غرفتي

وأنا غريب في بلاد الله

أدمنت الشواطيء والمنافي والسفر

كم كنت أبني كل يوم ألف قصر

فوق أوراق الشجر ..

كم كنت أزرع ألف بستان

على وجه القمر ..

كم كنت ألقي فوق موج الريح أجنحتي

وأرحل في أغاريد السحر

منذ انشطرت على جدار الحزن

ضاع القلب مني .. وانشطر ..

ورأيت أشلائي دموعا في عيون الشمس

تسقط بين أحزان النهر

وغدوت أنهاراً من الكلمات

في صمت الليالي .. تنهمر

قد كنت في يوم بريء الوجه

زار الخوف قلبي فانتحر

وحدائقي الخضراء ما عادت تغني

مثلما كانت ...

وصوتي كان في يوم عنيدا وانكسر

****

ولدي من عمري

وذكرى الأمس بعض من صور

فلتنظري صوري فإن الأمس أحيانا

يكون عزاء يوم ... يحتضر

هل تسمحين

بأن ينام على جفونك لحظة

طفل يطارده الخطر..

هل تسمحين

لمن أضاع العمر أسفاراً

بأن يرتاح يوماً ..

بين أحضان الزهر ...

اني لأفزع كلما جاءت

خيول الليل نحوي ..

يحتويني الهم .. يخنقني الضجر

اعتدت أن تعوى كلاب الصيد

في قدمي ... تحاصرني .... وتعبث في عيوني

كلما الجلاد في سفه .. أمر

اني أخاف على ثيابك من ثيابي

كلما أرجوه بعض الأمن ..

.. عطراً ... دندنات من وتر

****

لا تخجلي إن كان عندك بعض أصحاب

وجئت بثوبي العاري ببابك انتظر

لكنه حزن الصقيع ...

ووحشة الغرباء في ليل المطر

فالناس حولي يهرعون

وفي ثيابي نهر ماء

في عيوني بحر دمع

بين أعماقي حجر ..

وأريد صدراً لا يساومني على عمري

ولا يأسى على ماض عبر

فالعري أعرفه

وأعرف أن مثلي

في زمان الرق مطلوب

وأن الحرص لن يجدي

ولن يغني الحذر ...

****

اني سأرحل عندما يأتي قطار قطار الليل

لا تبكي لأجلي....

لا تلومي الحظ إن يوماً غدر

فأنا وحيد في في ليالي البرد

حتى الحزن صادقني زماناً

ثم في سأم .. هجر

إني أحبك ..

رغم أن الحب سلطان عظيم

عاش مطرودا

وكم داسته أقدام البشر

إني أحبك ..

فاتركيني الآن في عينيك أغفو

إن خلف الباب أحزان وعمر ينتحر

كل العصافير الجميلة أعدموها

فوق أغصان الشجر

كل الخفافيش الكئيبة

تملأ الشطئآن ..

تعبث فوق أشلاء النهر

***

لا تحزني ...

إن الزمان الراكع المهزوم لن يبقى

ولن تبقى خفافيش الحفر..

فغداً تصيح الأرض .. فالطوفان آت

والبراكين التي سجنت أراها تنفجر..

والصبح هذا الزائر المنفي من وطني

يطل الآن .. يجري .. ينتشر ..

وغداً أحبك مثلما يوم حلمت ...

بدون خوف ...

أو سجون ...

أو مطر ...

من قال أن النفط أغلى من دمي

من قال إنّ النفط أغلى من دمي؟!

ما دام يحكمنا الجنون..

سنرى كلاب الصيد

تلتهم الأجنة في البطون

سنرى حقول القمح ألغاماً

ونور الصبح ناراً في العيون

سنرى الصغار على المشانق

في صلاة الفجر جهراً يصلبون

ونرى على رأس الزمان

عويل خنزير قبيح الوجه

يقتحم المساجد والكنائس والحصون

وحين يحكمنا الجنون

لا زهرة بيضاء تشرق

فوق أشلاء الغصون

لا فرحة في عين طفل

نام في صدر حنون

لا دين..لا إيمان..لا حق

ولا عرض مصون

وتهون أقدار الشعوب

وكل شيء قد يهون

ما دام يحكمنا الجنون

أطفال بغداد الحزينة يسألون ..

عن أيّ ذنب يقتلون

يترنحون على شظايا الجوع ..

يقتسمون خبز الموت..

ثمّ يودعون

شبح الهنود الحمر يظهر في صقيع بلادنا

ويصيح فيها الطامعون..

من كلّ جنس يزحفون

تبدو شوارعنا بلون الدم تبدو قلوب الناس أشباحاً

ويغدو الحلم طيفاً عاجزاً

بين المهانة..والظنون

هذي كلاب الصيد فوق رؤوسنا تعوي

ونحن إلى المهالك..مسرعون..

أطفال بغداد الحزينة في الشوارع يصرخون

جيش التتار..يدق أبواب المدينة كالوباء..

ويزحف الطاعون

أحفاد هولاكو على جثث الصغار يزمجرون

صراخ الناس يقتحم السكون

أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات..

مخالب سوداء تنفذ في العيون

ما زال دجلة يذكر الأيام..

والماضي البعيد يطلّ من خلف القرون

عبر الغزاة هنا كثيرا..ثم راحوا..

أين راح العابرون؟؟

هذي مدينتنا..وكم باغ أتى..

ذهب الجميع

ونحن فيها صامدون

سيموت هولاكو

ويعود أطفال العراق

أمام دجلة يرقصون

لسنا الهنود الحمر..

حتى تنصبوا فينا المشانق

في كل شبر من ثرى بغداد

نهر..أو نخيل..أو حدائق

وإذا أردتم سوف نجعلها بنادق

سنحارب الطاغوت فوق الأرض..

بين الماء..في صمت الخنادق

إنا كرهنا الموت..لكن..

في سبيل الله نشعلها حرائق

ستظلّ في كل العصور وإن كرهتم

أمة الإسلام من خير الخلائق

أطفال بغداد الحزينة..

يرفعون الآن رايات الغضب

بغداد في أيدي الجبابرة الكبار..

تضيع منّا..تغتصب

أين العروبة..والسيوف البيض..

والخيل الضواري..والمآثر..والنّسب؟

أين الشعوب وأين العرب؟

البعض منهم قد شجب..

والبعض في خزي هرب

وهنالك من خلع الثياب..

لكلّ جّواد وهب..

في ساحة الشيطان يسعى الناس أفواجا

إلى مسرى الغنائم والذهب

والناس تسال عن بقايا أمّة

تدعى العرب!

كانت تعيش من المحيط إلى الخليج

ولم يعد في الكون شيء من مآثر أهلها..

ولكل مأساة سبب

باعوا الخيول..وقايضوا الفرسان

في سوق الخطب

فليسقط التاريخ..ولتحيا الخطب!!

أطفال بغداد يصرخون..

يأتي إلينا الموت في الّلعب الصغيرة

في الحدائق ..في المطاعم..في الغبار

تتساقط الجدران فوق مواكب التاريخ..

لا يبقى منها لنا ..جدار

عار..على زمن الحضارة..أيّ عار

من خلف آلاف الحدود..

يطلّ صاروخ لقيط الوجه..

لم يعرف له أبداً مدار

ويصيح فينا: "أين أسلحة الدمار؟؟"

هل بعد موت الضحكة العذراء فينا..

سوف يأتينا النهار

الطائرات تسد عين الشمس..

والأحلام في دمنا انتحار

فبأيّ حق تهدمون بيوتنا

وبأي قانون..تدمر ألف مئذنة..

وتنفث سيل نار

تمضي بنا الأيام في بغداد

من جوع..إلى جوع....ومن ظمأ..إلى ظمأ

وجه الكون جوع..أو حصار

يا سيد البيت الكبير.. يا لعنة الزمن الحقير

في وجهك الكذاب.. تخفي ألف وجه مستعار

نحن البداية في الرواية.. ثم يرفع الستار

هذي المهازل لن تكون نهاية المشوار

هل صار تجويع الشعوب.. وسام عزّ وافتخار؟!

هل صار قتل الناس في الصلوات.. ملهاة الكبار؟!

هل صار قتل الأبرياء.. شعار مجد..وانتصار؟!

أم أن حق الناس في أيامكم.. نهب..وذلّ ..وانكسار

الموت يسكن كل شيء حولنا.. ويطارد الأطفال من دار..لدار

ما زلت تسأل: "أين أسلحة الدمار.؟"

أطفال بغداد الحزينة..في المدارس يلعبون

كرة هنا..كرة هناك..طفل هنا..طفل هناك

قلم هنا..قلم هناك..لغم هنا..موت..هلاك

بين الشظايا..زهرة الصبار تبكي

والصغار على الملاعب يسقطون

بالأمس كانوا هنا..

كالحمائم في الفضاء يحلقون

فجر أضاء الكون يوما.. لا استكان ولا غفا

يا آل بيت محمد..كم حنّ قلبي للحسين..وكم هفا

غابت شموس الحق .. والعدل اختفى

مهما وفى الشرفاء في أيامنا.. زمن "النذالة" ما وفى

مهما صفى العقلاء في أوطاننا.. بئر الخيانة ما صفى..

بغداد يا بلد الرشيد..

يا قلعة التاريخ ..والزمن المجيد

بين ارتحال الليل و الصبح المجنح

لحظتان .. موت و عيد

مابين أشلاء الشهيد يهتز

عرش الكون في صوت الوليد

ما بين ليل قد رحل.. ينساب صبح بالأمل

لا تجزعي بلد الرشيد.. لكلّ طاغية أجل

طفل صغير..ذاب عشقا في العراق

كراسة بيضاء يحضنها..وبعض الفلّ..

بعض الشعر والأوراق

حصالة فيها قروش..من بقايا العيد..

دمع جامد يخفيه في الأحداق

عن صورة الأب الذي قد غاب يوما..لم يعد..

وانساب مثل الضوء في الأعماق

يتعانق الطفل الصغير مع التراب..

يطول بينهما العناق

خيط من الدم الغزير يسيل من فمه..

يذوب الصوت في دمه المراق

تخبو الملامح..كل شيء في الوجود

يصيح في ألم : فراق

والطفل يهمس في آسى:

اشتاق يا بغداد تمرك في فمي..

من قال إن النفط أغلى من دمي

بغداد لا .. لا تتألمي..

مهما تعالت صيحة البهتان في الزمن العَمي

فهناك في الأفق يبدو سرب أحلام.. يعانق انجمي

مهما توارى الحلم عن عينيك.. قومي..واحلمي

ولتنثري في ماء دجلة أعظمي

فالصبح سوف يطلّ يوما.. في مواكب مأتمي

الله اكبر من جنون الموت .. والموت البغيض الظالمِ

بغداد..لا تستسلمي.. بغداد ..لا تستسلمي

من قال إن النفط أغلى من دمي؟!

حبيبتي .. تغيرنا

تغير كل ما فينا..تغيرنا

تغير لون بشرتنا ...

تساقط زهر روضتنا

تهاوى سحر ماضينا

تغير كل ما فينا...تغيرنا

زمان كان يسعدنا ...نراه الآن يشقينا

وحب عاش في دمنا ...تسرب بين أيدينا

وشوق كان يحملنا ...فتسكرت أمانينا

ولحن كان يبعثنا ...إذا ماتت أغانينا تغيرنا

تغيرنا ....تغير كل ما فينا

*************

وأعجب من حكايتنا ...تكسر نبضها فينا

كهوف الصمت تجمعنا ...دروب الخوف تلقينا

وصرتِ حبيبتي طيفا لشيئ كان في صدري

قضينا العمر يفرحنا ....وعشنا العمر يبكينا

غدونا بعده موتى ..فمن يا قلب يحيينا ؟؟

الخميس، 14 فبراير 2008

إذا دارت بنا الدنيا

إذا دارت بنا الدنيا وخانتنا أمانينا وأحرقنا قصائدَنا وأسكتنا أغانينا...
ولم نعرف لنا بيتا من الأحزان يؤوينا وصار العمر أشلاء ودمّر كلّ مافينا ...
وصار عبيرنا كأسا محطّمةً بأيدينا سيبقى الحب واحَتنا إذا ضاقت ليالينا
إذا دارت بنا الدنيا ولاحَ الصيف خفّاقا وعادَ الشعرُ عصفورا إلى دنيايَ مشتاقا...
وقالَ بأننا ذبنا ..مع الأيام أشواقا وأن هواكِ في قلبي يُضئ العمرَ إشراقا ...
سيبقى حُبُنا أبدا برغم البعدِ عملاقا وإن دارت بنا الدنيا وأعيتنا مآسيها...
وصرنا كالمنى قَصصا مَعَ العُشّاقِ ترويها وعشنا نشتهي أملا فنُسمِعُها ..ونُرضيها...
فلم تسمع ..ولم ترحم ..وزادت في تجافيها ولم نعرف لنا وطنا وضاع زمانُنا فيها...
وأجدَب غصنُ أيكتِنا وعاد اليأسُ يسقيها عشقنا عطرها نغما فكيف يموت شاديها ؟
وإن دارت بنا الدنيا وخانتنا أمانينا .. وجاء الموت في صمتٍ وكالأنقاض يُلقينا ...
وفي غضبٍ سيسألنا على أخطاء ماضينا فقولي : ذنبنا أنا جعلنا حُبنا دينا
سأبحث عنك في زهرٍ ترعرع في مآقينا وأسأل عنك في غصن سيكبر بين أيدينا
وثغرك سوف يذكُرني ..إذا تاهت أغانينا وعطرُك سوف يبعثنا ويُحيي عمرنا فينا

رسالة إلى شارون

قبيح هو وجهك المرسوم من أشلاء قتلانا

جبان هو سيفك المسموم في أحشاء موتانا

وضيع هو صوتك المرصود في آنات أسرانا

إنجيلا .. وقرآنا

قبيح أنت يا خنزير كيف غدوت إنسانا

قبيح وجهك الملعون

مهان يا زمان العار أوسمة وتيجانا

ذليل يا زمان العجز كهانا وأوطانا

جبان يا زمان القهر من قد باع أوخان

خيول أسلمت لليأس رأيتها

فصار الجبن نيشانا

خيول باعها الكهان أمجادا وتاريخا وفرسانا

فصارت ساحة الفرسان يا للعار غلمانا

كسيح يا زمان العجز

حين ينام سيف الحق بين يديك خزيانا

قبيح يا زمان اليأس

حين يصير وجه القدس في عينيك أحزانا

يبول الفاسق العربيد جهرا في مساجدنا

يضاجع قدسنا سفها

ويقضي الليل في المحراب سكرانا

قبيح وجهك الملعون

ويسألني أمام القبر طفل

لماذا لا يزور الموت أوطانا سوانا

لماذا يسكر العربيد من أحشاء أمي

ويجعل خمره دوما … دمانا

أمام الكعبة الغراء صوت

يصيح الآن يصرخ في حمانا

أيا الله صار العدل سجانا

أيا الله صار الحق بهتانا

أيا الله صار الملك طغيانا

وأضحى القهر سلطانا

شهداؤنا

شهداؤنا بين المقابر يهمسون..

والله إنا قادمون..

في الأرض ترتفع الأيادي..

تنبُت الأصوات في صمت السكون..

والله إنا راجعون..

تتساقط الأحجار يرتفع الغبار..

تضيء كالشمس العيون..

والله إنا راجعون..

شهداؤنا خرجوا من الأكفان..

وانتفضوا صفوفًا، ثم راحوا يصرخون..

عارٌ عليكم أيها المستسلمون..

وطنٌ يُباع وأمةٌ تنساق قطعانا..

وأنتم نائمون..

شهداؤنا فوق المنابر يخطبون..

قاموا إلى لبنان صلوا في كنائسها..

وزاروا المسجد الأقصى..

وطافوا في رحاب القدس..

واقتحموا السجون..

في كل شبر..

من ثرى الوطن المكبل ينبتون..

من كل ركن في ربوع الأمة الثكلى..

أراهم يخرجونْ..

شهداؤنا وسط المجازر يهتفونْ..

الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..

الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..

الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..

****

شهداؤنا يتقدمونْ..

أصواتهم تعلو على أسوار بيروت الحزينة..

في الشوارع في المفارق يهدرونْ..

إني أراهم في الظلام يُحاربونْ..

رغم انكسار الضوء..

في الوطن المكبل بالمهانة..

والدمامة.. والمجون..

والله إنا عائدون..

أكفاننا ستضيء يومًا في رحاب القدسِ..

سوف تعود تقتحم المعاقل والحصونْ..

****

شهداؤنا في كل شبر يصرخونْ..

يا أيها المتنطعونْ..

كيف ارتضيتم أن ينام الذئب..

في وسط القطيع وتأمنونْ؟

وطن بعرْض الكون يُعرض في المزاد..

وطعمة الجرذان..

في الوطن الجريح يتاجرون..

أحياؤنا الموتى على الشاشات..

في صخب النهاية يسكرون..

من أجهض الوطن العريق..

وكبل الأحلام في كل العيون..

يا أيها المتشرذمون..

سنخلص الموتى من الأحياء..

من سفه الزمان العابث المجنون..

والله إنا قادمون..

"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا

بل أحياء عند ربهم يرزقون"

****

شهداؤنا في كل شبر..

في البلاد يزمجرونْ..

جاءوا صفوفًا يسألونْ..

يا أيها الأحياء ماذا تفعلونْ..

في كل يوم كالقطيع على المذابح تصلبونْ..

تتنازلون على جناح الليل..

كالفئران سرًّا للذئاب تهرولونْ..

وأمام أمريكا..

تُقام صلاتكم فتسبحونْ..

وتطوف أعينكم على الدولارِ..

فوق ربوعه الخضراء يبكي الساجدونْ..

صور على الشاشاتِ..

جرذان تصافح بعضها..

والناس من ألم الفجيعة يضحكونْ..

في صورتين تُباع أوطان، وتسقط أمةٌ..

ورؤوسكم تحت النعالِ.. وتركعونْ..

في صورتين..

تُسلَّم القدس العريقة للذئاب..

ويسكر المتآمرون..

****

شهداؤنا في كل شبر يصرخونْ..

بيروت تسبح في الدماء وفوقها

الطاغوت يهدر في جنونْ..

بيروت تسألكم أليس لعرضها

حق عليكم؟ أين فر الرافضونْ؟

وأين غاب البائعونْ؟

وأين راح.. الهاربونْ؟

الصامتون.. الغافلون.. الكاذبونْ..

صمتوا جميعًا..

والرصاص الآن يخترق العيونْ..

وإذا سألت سمعتَهم يتصايحونْ..

هذا الزمان زمانهم..

في كل شيء في الورى يتحكمونْ..

****

لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص فإنكم

في كل شيء خاسرونْ..

لن يترك الطوفان شيئًا كلكمْ

في اليم يومًا غارقون..

تجرون خلف الموتِ

والنخَّاس يجري خلفكم..

وغدًا بأسواق النخاسة تُعرضونْ..

لن يرحم التاريخ يومًا..

من يفرِّط أو يخونْ..

كهاننا يترنحونْ..

فوق الكراسي هائمونْ..

في نشوة السلطان والطغيانِ..

راحوا يسكرونْ..

وشعوبنا ارتاحت ونامتْ..

في غيابات السجونْ..

نام الجميع وكلهم يتثاءبونْ..

فمتى يفيق النائمونْ؟

متى يفيق النائمون؟.

عودة الأنبياء

عطرٌ ونورٌ في الفضاء

والأرضُ تحتضنُ السماء

والشمسُ تنظرُ بارتياح للقمر

والزهرُ يهمسُ في حياءٍ للشجر

والعطرُ تنشُره الخمائلُ

فوق أهداب الطيور

والنجمُ في شوق تصافحه الزهور

ضوء يلوح من بعيد

الأرضُ صارت في ظلامِ الليلِ

لؤلؤةً يعانقها ضياء

والناسُ تُسرعُ في الطريق

صوتٌ يدندن في السماء

الآن ، عاد الأنبياء

***

هذا ضياء مُحمدٍ

ينسابُ يخترقُ المفارقَ والجسور

عيسى وموسى والنبيُ محمدٌ

عطرٌ من الرحمنِ في الدنيا يدور

هذي قلوب الناسِ تنظرُ في رجاء

أتُرى يعودُ لأرضنا زمنُ النقاء ؟

أهلاً بنور الأنبياء

***

موسى يداعبُ زهرةً

ثكلى ..فينتبه الرحيق

الزهرة الخرساءُ تهمسُ : مرحباً

يا أنبياءَ الحقِّ قد ضاع الطريق

الزهرةُ الخرساءُ تهتف في ذهول : يا أنبياءَ الله

يا من ملأتم بالضياء قلوبنَا

يا من نثرتم بالمحبةِ دربنا

بالقلب أحزانٌ وشكوى تختنق

وربيع أيامٍ يموتُ .. ويحترق

فالأرضُ كبلها الضلال

تاه الحرامُ مع الحرام مع الحلال

والخوفُ يعبثُ في النفوس بلا خجل

والفقرُ في الأعماقِ يغتالُ المنى

ماذا يفيدُ العمرُ لو ضاعَ الأمل؟

***

الأرضُ يا موسى تضجُ من الجماجمِ والسجون

أطفالنا عرفوا المشانقَ

ضاجعوا الأحزانَ

في زمن الجنون

والشمس ضلت في الشروقِ طريقَهَا

فهوت على شطِّ الغروب

وتأرجحت وسط السماء

ما بين شرقٍ جائرٍ

ما بين غربٍ فاجرٍ

الشمسُ تاهت في السماء

ما عاد فيكِ مدينتي شيءٌ ليمنحنا الضياء

فالليل يحملُ كالضلالِ سيوفه

وبحارُنا صارت دماء

من ينقذ الشطآن من هذي الدماء

في كل ليل داكنِ الأشباح تنتحرُ القلوب

في كلِّ يوم تسخرُ الأحلامُ من زمنٍ كذوب

في كل شبر

من ترابِ الأرضِ أحلامٌ تذوب

قالوا لنا يوماً

بأن الأرض كانت للبشر

موسى بربكَ هل ترى في الأرضِ

شيئاً .. كالبشر ؟

***

عيسى رسول اللهِ

يا مهد السلام

هذي قبورُ الناسِ

ضاقت بالجماجم والعظام

أحياؤنا فيها نيام

وعلى جبين اليأسِ

مات الحبُ وانتحر الوئام

الحقُ مصلوبٌ مع الأنفاسِ في دنيا الدجل

والحبُ في ليل الدراهمِ

والمخابئ والمباحثِ لم يزل

يشكو زماناً يُسحق الإنسانُ فيه بلا خجل

***

أهلاً رسول اللهِ

يا خير الهداةِ الصادقين

أنا يا محمدُ قد أتيتكَ

من دروب الحائرين

فلقد رأيتُ الأرضَ

تسكرُ من دماء الجائعين

والناسُ تحرقُ في رفاتِ العدلِ

ماتَ العدل فينا من سنين

أنا يا رسولَ الله طفلٌ حائرٌ

من يرحم الآباءَ من يحمي البنين ؟

الناسُ تأكلُ بعضَها

هذي لحومُ الناسِ نأكلها ونشرب خلفها

دمعَ الحيارى المتعبين

رفقاً رسولَ اللهِ لا تغضب فهذا حالُنا

فلقد عَصينا الله في زمنٍ حزين

ماذا تقولُ إذا سرقتُ الناس خبّرني

وطيفُ الجوع يقتل طفلتي؟

وأنا أموتُ على الطريقِ وحوله

يسري اللصوصُ وهم سكارى

من بقايا مهجتي ؟

بالله خبرني رسول اللهِ

أين بدايتي .. ونهايتي ؟

أتُرى أعيشُ العمرَ مصلوبَ المنى ؟

***

أنا يا رسول اللهِ

لم أعرف مع الدجل الرخيص حكايتي

ماذا أكونُ ؟ ومن أكونُ ؟ أمام قبر مدينتي

وأموتُ في نفسي .. أموت

وأموتُ في خوفي .. أموت

وأموت في صمتي .. أموت

أنا يا رسول الله أحيا كي أموت

قالوا بأن الموت موتٌ واحدٌ

وأمام كل دقيقة قلبي يموت

قلبي رسول الله في جنبي يموت

ماذا أقول وقد رأيتُ الأرضَ تفرحُ

بالمعاصي والذنوب؟

ماذا أقولُ وعمري الحيرانُ

يطحنه الغروب ؟

والحبُ في قلبي يذوب

آهٍ رسولَ الله من أيامنا

فلقد رأيتَ بنورِ قلبكَ حالنََا

يا منصف الأحياءِ والموتى

ويا نوراً أضاء طريقنا

لا تترك الأحزانَ ترتعُ بيننا

***

الشمسُ تصعدُ للسماء

والزهرُ يخنقه البكاء

والليل ينظرُ في دهاء

عاد الظلامُ مدينتي ما كنتِ يوماً .. للضياء

الآن يرحلُ عنكِ نور الأنبياء

النورُ يخترقُ السماء

يمضي بعيداً ، ويح قلبي ليته ما كان جاء

يوماً رأت فيه القلوبُ

بشيرَ صبحٍ عانقت فيهِ الرجاء

***

يا أنبياءَ الله

لا تتركوا الأرضَ الحزينةَ للضياع

لا تتركوا الأرض الحزينة للضياع

يا أنبياء الله

يا من تريدون الوداع

يا من تركتم للظلام مدينتي

قبل الرحيل تنبهوا

الأرض تمشي للضياع

الأرض ضاعت .. في الضياع

لقاء الغرباء

علمتني الأشواقَ منذ لقائنا

فرأيتُ في عينيكِ أحلامَ العُمر

وشدوتُ لحناً في الوفاءِ .. لعله

ما زال يؤنسني بأيامِ السهر

وغرستُ حُبكِ في الفؤادِ وكلما

مضت السنينُ أراهُ دوماً .. يزدهر

وأمامَ بيتكِ قد وضعتُ حقائبي

يوماً ودعتُ المتاعبَ والسفر

وغفرتُ للأيامِ كُلَّ خطيئةٍ

وغفرتُ للدنيا .. وسامحتُ البشر

...

علمتني الأشواقَ كيف أعيشُها

وعرفتُ كيف تهزني أشواقي

كم داعبت عينايَ كل دقيقةٍ

أطياف عمرٍ باسمِ الإشراقِ

كم شدني شوق إليكِ لعله

ما زال يحرق بالأسى أعماقي

...

أو نلتقي بعد الوفاءِ .. كأننا

غرباءُ لم نحفظ عهوداً بيننا

يا من وهبتُكِ كل شيء إنني

ما زلتُ بالعهد المقدسِ .. مؤمنا

فإذا انتهت أيامُنا فتذكري

أن الذي يهواكِ في الدنيا .. أنا

بالرغم منّا .. قد نضيع

( 1 )

قد قال لي يوماً أبي

إن جئت يا ولدي المدينة كالغريب

وغدوت تلعق من ثراها البؤس

في الليل الكئيب

قد تشتهي فيها الصديق أو الحبيب

إن صرت يا ولدي غريباً في الزحام

أو صارت الدنيا امتهاناً .. في امتهان

أو جئت تطلب عزة الإنسان في دنيا الهوان

إن ضاقت الدنيا عليك

فخذ همومك في يديك

واذهب إلى قبر الحسين

وهناك صلي ركعتين

(2)

كانت حياتي مثل كل العاشقين

والعمر أشواق يداعبها الحنين

كانت هموم أبي تذوب .. بركعتين

كل الذي يبغيه في الدنيا صلاة في الحسين

أو دعوة لله أن يرضى عليه

لكي يرى .. جد الحسين

قد كنت مثل أبي أصلي في المساء

وأظلُ أقرأ في كتاب الله ألتمس الرجاء

أو أقرأ الكتب القديمة

أشواق ليلى أو رياضَ .. أبي العلاء

(3)

وأتيتُ يوماً للمدينة كالغريب

ورنينُ صوت أبي يهز مسامعي

وسط الضباب وفي الزحامِ

يهزني في مضجعي

ومدينتي الحيرى ضبابٌ في ضباب

أحشاؤها حُبلى بطفلٍ

غير معروف الهوية

أحزانها كرمادِ أنثى

ربما كانت ضحية

أنفاسُها كالقيدِ يعصف بالسجين

طرقاتُها .. سوداء كالليل الحزين

أشجارها صفراء والدم في شوارعها .. يسيل

كم من دماء الناس

ينـزف دون جرح .. أو طبيب

لا شيء فيك مدينتي غير الزحام

أحياؤنا .. سكنوا المقابر

قبلَ أن يأتي الرحيل

هربوا إلى الموتى أرادوا الصمت .. في دنيا الكلام

ما أثقل الدنيا ...

وكل الناس تحيا .. بالكلام

(4)

وهناك في درب المدينةِ ضاع مني .. كل شيء

أضواؤها .. الصفراء كالشبح .. المخيف

جثث من الأحياء نامت فوق أشلاء .. الرصيف

ماتوا يريدون الرغيف

شيخٌ ( عجوز ) يختفي خلف الضباب

ويدغدغ المسكينُ شيئاً .. من كلام

قد كان لي مجدٌ وأيامٌ .. عظام

قد كان لي عقل يفجر

في صخور الأرض أنهار الضياء

لم يبق في الدنيا حياء

قد قلتُ ما عندي فقالوا أنني

المجنونُ .. بين العقلاء

قالوا بأني قد عصيتُ الأنبياء

(5)

دربُ المدينة صارخُ الألوانِ

فهنا يمين .. أو يسارٌ قاني

والكل يجلس فوق جسمِ جريمةٍ

هي نزعة الأخلاقِ .. في الإنسانِ

أبتاه .. أيامي هنا تمضي

مع الحزن العميق

وأعيشُ وحدي ..

قد فقدتُ القلبَ والنبضَ .. الرقيق

دربُ المدينة يا أبي دربٌ عتيق

تتربع الأحزانُ في أرجائه

ويموت فيه الحب .. والأمل الغريق

(6)

ماذا ستفعل يا أبي

إن جئتَ يوماً دربنا

أترى ستحيا مثلنا ؟؟

ستموت يا أبتاه حزناً .. بيننا

وستسمع الأصواتَ تصرخُ .. يا أبي : يا ليتنا ..يا ليتنا .. يا ليتنا

وغدوتُ بين الدربِ ألتمسُ الهروب

أين المفر؟

والعمرُ يسرع للغروب

(7)

أبتاهُ .. لا تحزن

فقد مضت السنين

ولم أصلِّ .. في الحسين

لو كنتَ يا أبتاهُ مثلي

لعرفتَ كيف يضيع منا كلُ شيء

بالرغم منا .. قد نضيع

بالرغم منا .. قد نضيع

من يمنح الغرباءَ دفئاً في الصقيع؟

من يجعل الغصنَ العقيمَ

يجيء يوماً .. بالربيع ؟

من ينقذ الإنسان من هذا .. القطيع ؟

(8)

أبتاهُ

بالأمس عدتُ إلى الحسين

صليتُ فيه الركعتين

بقيت همومي مثلما كانت

صارت همومي في المدينةِ

لا تذوب بركعتين

وكان حلماً

وتبكين حباً .. مضى عنكِ يوماً وسافر عنكِ لدنيا المحال
لقد كان حلماً .. وهل في الحياةِ سوى الوهم - ياطفلتي- والخيال ؟
وما العمر يا أطهر الناسِ إلا سحابةُ صيفٍ كثيف الظلال
وتبكين حباً .. طواه الخريف وكل الذي بيننا للزوال
فمن قال في العمر شيء يدومُ تذوب الأماني ويبقى السؤال
لماذا أتيت إذا كان حلمي غداً سوف يصبح.. بعض الرمال ؟

لأني أحبك

تعالي أحبك قبل الرحيل فما عاد في العمر إلا القليل
أتينا الحياة بحلمٍ بريءٍ فعربد فينا زمانٌ بخيل
*** ***
حلمنا بأرضٍ تلم الحيارى وتأوي الطيور وتسقي النخيل
رأينا الربيع بقايا رمادٍ ولاحت لنا الشمس ذكرى أصيل
حلمنا بنهرٍ عشقناهُ خمراً رأيناه يوماً دماءً تسيل
فإن أجدب العمرُ في راحتيَّ فحبك عندي ظلالٌ ونيل
وما زلتِ كالسيف في كبريائي يكبلُ حلمي عرينٌ ذليل
وما زلت أعرف أين الأماني وإن كان دربُ الأماني طويل
*** ***
تعالي ففي العمرِ حلمٌ عنيدٌ فما زلتُ أحلمُ بالمستحيل
تعالي فما زالَ في الصبحِ ضوءٌ وفي الليل يضحكٌ بدرٌ جميل
أحُبك والعمرُ حلمٌ نقيٌّ أحبك واليأسُ قيدُ ثقيل
وتبقين وحدكِ صبحاً بعيني إذا تاه دربي فأنتِ الدليل
*** ***
إذا كنتُ قد عشتُ حلمي ضياعاً وبعثرتُ كالضوءِ عمري القليل
فإني خُلقتُ بحلم كبير وهل بالدموع سنروي الغليل ؟
وماذا تبقّى على مقلتينا ؟ شحوبُ الليالي وضوء هزيل
تعالي لنوقد في الليل ناراً ونصرخ في الصمتِ في المستحيل
تعالي لننسج حلماً جديداً نسميه للناس حلم الرحيل

عيناك أرض لا تخون

ومضيتُ أبحثُ عن عيونِكِ

خلفَ قضبان الحياهْ

وتعربدُ الأحزان في صدري

ضياعاً لستُ أعرفُ منتهاه

وتذوبُ في ليل العواصفِ مهجتي

ويظل ما عندي

سجيناً في الشفاه

والأرضُ تخنقُ صوتَ أقدامي

فيصرخُ جُرحُها تحت الرمالْ

وجدائل الأحلام تزحف

خلف موج الليل

بحاراً تصارعه الجبال

والشوق لؤلؤةٌ تعانق صمتَ أيامي

ويسقط ضوؤها

خلف الظلالْ

عيناك بحر النورِ

يحملني إلى

زمنٍ نقي القلبِ ..

مجنون الخيال

عيناك إبحارٌ

وعودةُ غائبٍ

عيناك توبةُ عابدٍ

وقفتْ تصارعُ وحدها

شبح الضلال

مازال في قلبي سؤالْ ..

كيف انتهتْ أحلامنا ؟

مازلتُ أبحثُ عن عيونك

علَّني ألقاك فيها بالجواب

مازلتُ رغم اليأسِ

أعرفها وتعرفني

ونحمل في جوانحنا عتابْ

لو خانت الدنيا

وخان الناسُ

وابتعد الصحابْ

عيناك أرضٌ لا تخونْ

عيناك إيمانٌ وشكٌ حائرٌ

عيناك نهر من جنونْ

عيناك أزمانٌ وعمرٌ

ليسَ مثل الناسِ

شيئاً من سرابْ

عيناك آلهةٌ وعشاقٌ

وصبرٌ واغتراب

عيناك بيتي

عندما ضاقت بنا الدنيا

وضاق بنا العذاب

***

ما زلتُ أبحثُ عن عيونك

بيننا أملٌ وليدْ

أنا شاطئٌ

ألقتْ عليه جراحها

أنا زورقُ الحلم البعيدْ

أنا ليلةٌ

حار الزمانُ بسحرها

عمرُ الحياة يقاسُ

بالزمن السعيدْ

ولتسألي عينيك

أين بريقها ؟

ستقول في ألمٍ توارى

صار شيئاً من جليدْ ..

وأظلُ أبحثُ عن عيونك

خلف قضبان الحياهْ

ويظل في قلبي سؤالٌ حائرٌ

إن ثار في غضبٍ

تحاصرهُ الشفاهْ

كيف انتهت أحلامنا ؟

قد تخنق الأقدار يوماً حبنا

وتفرق الأيام قهراً شملنا

أو تعزف الأحزان لحناً

من بقايا ... جرحنا

ويمر عامٌ .. ربما عامان

أزمان تسدُ طريقنا

ويظل في عينيك

موطننا القديمْ

نلقي عليه متاعب الأسفار

في زمنٍ عقيمْ

عيناك موطننا القديم

وإن غدت أيامنا

ليلاً يطاردُ في ضياءْ

سيظل في عينيك شيءٌ من رجاءْ

أن يرجع الإنسانٌ إنساناً

يُغطي العُرى

يغسل نفسه يوماً

ويرجع للنقاءْ

عيناك موطننا القديمُ

وإن غدونا كالضياعِ

بلا وطن

فيها عشقت العمر

أحزاناً وأفراحاً

ضياعاً أو سكنْ

عيناك في شعري خلودٌ

يعبرُ الآفاقَ ... يعصفُ بالزمنْ

عيناك عندي بالزمانِ

وقد غدوتُ .. بلا زمنْ

ويضيع العمر

يا رفيقَ الدَّرب

تاه الدَّرْبُ منّا .. في الضباب

يا رفيقَ العمر

ضاعَ العمرُ .. وانتحرَ الشباب

آهِ من أيّامنا الحيرى

توارتْ .. في التراب

آهِ من آمالِنا الحمقى

تلاشتْ كالسراب

يا رفيقَ الدَّرْب

ما أقسى الليالي

عذّبتنا ..

حَطَّمَتْ فينا الأماني

مَزَّقَتْنا

ويحَ أقداري

لماذا .. جَمَّعَتنا

في مولدِ الأشواق

ليتها في مولدِ الأشواقِ كانتْ فَرّقَتْنا

لا تسلني يا رفيقي

كيف تاهَ الدربُ .. مِنَّا

نحن في الدنيا حيارى

إنْ رضينا .. أم أَبَيْنَا

حبّنا نحياه يوماً

وغداً .. لا ندرِ أينَ !!

لا تلمني إن جعلتُ العمرَ

أوتاراً .. تُغنّي

أو أتيتُ الروضَ

منطلقَ التمنّي

فأنا بالشعرِ أحيا كالغديرِ المطمئنِّ

إنما الشعرُ حياتي ووجودي .. والتمنّي

هل ترى في العمر شيئاً

غير أيامٍ قليلة

تتوارى في الليالي

مثل أزهارِ الخميلة

لا تكنْ كالزهرِ

في الطُّرُقَاتِ .. يُلقيه البشر

مثلما تُلقي الليالي

عُمْرَنا .. بين الحُفَر

فكلانا يا رفيقي

من هوايات القَدَر

يا رفيقَ الدَّرْب

تاهَ الدربُ مني

رغمَ جُرحي

رغمَ جُرحي ..

سأغنّي

ماذا تبقى من أرض الأنبياء؟

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء..

لا شيء غير النجمة السوداء

ترتع في السماء..

لا شيء غير مواكب القتلى

وأنات النساء

لا شيء غير سيوف داحس التي

غرست سهام الموت في الغبراء

لا شيء غير دماء آل البيت

مازالت تحاصر كربلاء

فالكون تابوت..

وعين الشمس مشنقةُ

وتاريخ العروبة

سيف بطش أو دماء..

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء

خمسون عاماً

والحناجر تملأ الدنيا ضجيجاً

ثم تبتلع الهواء..

خمسون عاماً

والفوارس تحت أقدام الخيول

تئن في كمد.. وتصرخ في استياء

خمسون عاماً في المزاد

وكل جلاد يحدق في الغنيمة

ثم ينهب ما يشاء

خمسون عاماً

والزمان يدور في سأم بنا

فإذا تعثرت الخطى

عدنا نهرول كالقطيع إلى الوراء..

خمسون عاماً

نشرب الأنخاب من زمن الهزائم

نغرق الدنيا دموعاً بالتعازي والرثاء

حتى السماء الآن تغلق بابها

سئمت دعاء العاجزين وهل تُرى

يجدي مع السفه الدعاء..

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

أترى رأيتم كيف بدلت الخيول صهيلها

في مهرجان العجز…

واختنقت بنوبات البكاء..

أترى رأيتم

كيف تحترف الشعوب الموت

كيف تذوب عشقاً في الفناء

أطفالنا في كل صبح

يرسمون على جدار العمر

خيلاً لا تجيء..

وطيف قنديل تناثر في الفضاء..

والنجمة السوداء

ترتع فوق أشلاء الصليب

تغوص في دم المآذن

تسرق الضحكات من عين الصغار

الأبرياء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

ما بين أوسلو

والولائم.. والموائد والتهاني.. والغناء

ماتت فلسطين الحزينة

فاجمعوا الأبناء حول رفاتها

وابكوا كما تبكي النساء

خلعوا ثياب القدس

ألقوا سرها المكنون في قلب العراء

قاموا عليها كالقطيع..

ترنح الجسد الهزيل

تلوثت بالدم أرض الجنة العذراء..

كانت تحدق في الموائد والسكارى حولها

يتمايلون بنشوة

ويقبلون النجمة السوداء

نشروا على الشاشات نعياً دامياً

وعلى الرفات تعانق الأبناء والأعداء

وتقبلوا فيها العزاء..

وأمامها اختلطت وجوه النساء

صاروا في ملامحهم سواء

ماتت بأيدي العابثين مدينة الشهداء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

في حانة التطبيع

يسكر ألف دجال وبين كؤوسهم

تنهار أوطان.. ويسقط كبرياء

لم يتركوا السمسار يعبث في الخفاء

حملوه بين الناس

في البارات.. في الطرقات.. في الشاشات

في الأوكار.. في دور العبادة

في قبور الأولياء

يتسللون على دروب العار

ينكفئون في صخب المزاد

ويرفعون الراية البيضاء..

ماذا سيبقى من سيوف القهر

والزمن المدنس بالخطايا

غير ألوان البلاء

ماذا سيبقى من شعوب

لم تعد أبداً تفرق

بين بيت الصلاة.. وبين وكر للبغاء

النجمة السوداء

ألقت نارها فوق النخيل

فغاب ضوء الشمس.. جف العشب

واختفت عيون الماء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

ماتت من الصمت الطويل خيولنا الخرساء

وعلى بقايا مجدها المصلوب ترتع نجمة سوداء

فالعجز يحصد بالردى أشجارنا الخضراء

لا شيء يبدو الآن بين ربوعنا

غير الشتات.. وفرقة الأبناء

والدهر يرسم صورة العجز المهين لأمة

خرجت من التاريخ

واندفعت تهرول كالقطيع إلى حمى الأعداء..

في عينها اختلطت

دماء الناس والأيام والأشياء

سكنت كهوف الضعف

واسترخت على الأوهام

ما عادت ترى الموتى من الأحياء

كُهّانها يترنحون على دروب العجز

ينتفضون بين اليأس والإعياء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

من أي تاريخ سنبدأ

بعد أن ضاقت بنا الأيام

وانطفأ الرجاء

يا ليلة الإسراء عودي بالضياء

يتسلل الضوء العنيد من البقيع

إلى روابي القدس

تنطلق المآذن بالنداء

ويطل وجه محمد

يسري به الرحمن نوراً في السماء..

الله أكبر من زمان العجز..

من وهن القلوب.. وسكرة الضعفاء

الله أكبر من سيوف خانها

غدر الرفاق.. وخِسة الأبناء

جلباب مريم

لم يزل فوق الخليل يضيء في الظلماء

في المهد يسري صوت عيسى

في ربوع القدس نهراً من نقاء

يا ليلة الإسراء عودي بالضياء

هزي بجذع النخلة العذراء

يتساقط الأمل الوليد

على ربوع القدس

تنتفض المآذن يبعث الشهداء

تتدفق الأنهار.. تشتعل الحرائق

تستغيث الأرض

تهدر ثورة الشرفاء

يا ليلة الإسراء عودي بالضياء

هزي بجذع النخلة العذراء

رغم اختناق الضوء في عيني

ورغم الموت.. والأشلاء

مازلت أحلم أن أرى قبل الرحيل

رماد طاغية تناثر في الفضاء

مازلت أحلم أن أرى فوق المشانق

وجه جلاد قبيح الوجه تصفعه السماء

مازلت أحلم أن أرى الأطفال

يقتسمون قرص الشمس

يختبئون كالأزهار في دفء الشتاء

مازلت أحلم…

أن أرى وطناً يعانق صرختي

ويثور في شمم.. ويرفض في إباء

مازلت أحلم

أن أرى في القدس يوماً

صوت قداس يعانق ليلة الإسراء..

ويطل وجه الله بين ربوعنا

وتعود.. أرض الأنبياء