الاثنين، 31 مارس 2008

عتاب من القبر..


يا أيها الطيف البعيد

في القلب شيء.. من عتاب

ودعت أيامي و ودعني الشباب

لم يبق شيء من وجودي غير ذرات التراب

و غدوت يا دنياي وحدي لا أنام

الصمت ألحان أرددها هنا وسط الظلام

لا شيء عندي لا رفيق.. و لا كتاب

لم يبق شيء في الحنايا غير حزن.. و اكتئاب

فلقد غدوت اليوم جزءا من تراب

بالرغم من هذا أحن إلى العتاب..

* * *

أعطيتك الحب الذي يرويك من ظمأ الحياة

أعطيتك الأشواق من عمر تداعى.. في صباه

قد قلت لي يوما:

((سأظل رمزا للوفاء

فإذا تلاشى العمر يا عمري

ستجمعنا السماء))

* * *

و رحلت يوما.. للسماء

و بنيت قصرا من ظلال الحب

في قلب العراء

و أخذت أنسج من حديث الصمت

ألحانا جميلة..

و أخذت أكتب من سطور العشق

أزجالا طويلة

و دعوت للقصر الطيور

و جمعت من جفن الأزاهر

كل أنواع العطور

و فرشت أرض القصر

أثواب الأمل

و بنيت أسوارا من الأشواق

تهفو.. للقبل

و زرعت حول القصر زهر الياسمين

قد كنت دوما تعشقين الياسمين

و جمعت كل العاشقين

فتعلموا مني الوفاء

و أخذت أنتظر اللقاء..

* * *

و رأيت طيفك من بعيد..

يهفو إلى حب جديد

و سمعت همسات الهوى

تنساب في صوت الطبول..

لم خنت يا دنياي؟!

أعطيتك الحب الذي يكفيك عشرات السنين

و قضيت أيامي يداعبني الحنين..

ماذا أقول؟

ماذا أقول و حبي العملاق في قلبي.. يثور؟

قد صار لحنا ينشد الأشواق في دنيا القبور

قد عشت يا دنياي أحلم.. باللقاء

و بنيت قصرا في السماء

القصر يا عمري هنا أبقى القصور

فهواك في الدنيا غرور في غرور..

* * *

ما أحقر الدنيا و ما أغبى الحياة

فالحب في الدنيا كأثواب العراة

فإذا صعدتم للسماء..

سترون أن العمر وقت ضائع وسط الضباب..

سترون أن الناس صارت كالذئاب

سترون أن الناس ضاعت في متاهات الخداع..

سترون أن الأرض تمشي للضياع

سترون أشباح الضمائر

في الفضاء.. تمزقت

سترون آلام الضحايا

في السكون.. تراكمت

و إذا صعدتم للسماء..

سترون كل الكون في مرآتنا

سترون وجه الأرض في أحزاننا..

* * *

أما أنا

فأعيش وحدي في السماء

فيها الوفاء

و الأرض تفتقد الوفاء

ما أجمل الأيام في دنيا السحاب..

لا غدر فيها, لا خداع, و لا ذئاب

قد نلتقي



أترى يعود لنا الربيع و نلتقي

و نعيش ((مارس)) بين حلم مشرق؟

قد نلتقي يا حبي المجهول رغم وداعنا

كي نزرع الآمال تنشر ظلها..

و ستنبت الآمال بين.. دموعنا

لا تجزعي..

لا تجزعي إن كانت الأيام قد عصفت بنا

فغدا يعود لنا اللقاء

و تعود أطيار الربى

سكرى تحلق في السماء

* * *

و سترجعين لتذكري أيامنا

فلنا وليد مات حزنا بيننا

ثم انتهى..!

في كل يوم في المنام يزورني

فيثور جرح في الفؤاد يلومني

ما ذنبه المسكين مات و لم يزل

طفلا تعانقه.. الحياة

ما ذنبه المسكين مات بلا أمل..!

سنزور قبر الطفل يا أمل الحياة..

و نقيم فوق القبر أوقات الصلاة

و نعانق الأشواق بين ظلاله

و هناك نسجد في رحاب جماله

و نعود نذكر ما طوت منا السنين

و على تراب القبر سوف تضمنا أشواقنا

و هناك.. يجمعنا الحنين

فغدا سأزرع في رباه الياسمين

كي نلتقي تحت الظلال مع المنى..

و نعود مثل العاشقين..

* * *

يا طفلنا المحبوب لا تخش النوى

فغدا سيجمعنا الربيع و نلتقي..

و نراك في الثوب الجميل الأزرق..

و نراك كالعمر القديم المشرق..

إن كان صمت القبر في ليل الدجى

يضفي عليك مرارة الأموات

فسأرسل الأشعار لحنا.. هادئا

ينساب سحرا في صدى كلماتي

ما كان لي في العمر غيرك بعدما

عفتُ الحياة فقد جعلتك ذاتي

إن عز في هذا الربيع لقاؤنا

سنعيش ننتظر الربيع الآتي

أترى يعود لنا الربيع و نلتقي؟

قد نلتقي!!

بقايا أمنية


مازال في قلبي بقايا .. أمنية

أن نلتقي يوماً ويجمعنا .. الربيع

أن تنتهي أحزاننا

أن تجمع الأقدار يوماً شملنا

فأنا ببعدك أختنق

لم يبقى في عمري سوى

أشباح ذكرى تحترق

أيامي الحائرة تذوب مع الليالي المسرعة

وتضيع أحلامي على درب السنين الضائعة

بالرغم من هذا أحبك مثلما كنا .. وأكثر

مازال في قلبي.... بقايا أمنية

أن يجمع الأحباب درب

تاه منا .. من سنين

القلب يا دنياي كم يشقى

وكم يشقى الحنين

يا دربنا الخالي لعلك تذكر أشواقنا

في ضوء القمر

قد جفت الأزهار فيك

وتبعثرت فوق أكف القدر ..

عصفورنا الحيران مات .. من السهر

قد ضاق بالأحزان بعدك .. فانتحر

بالرغم من هذا

أحبك مثلما كنا .. وأكثر

في كل يوم تكبر الأشواق في أعماقنا..

في كل يوم ننسج الأحلام من أحزاننا..

يوماَ ستجمعنا الليالي مثلما كنا ..

فأعود أنشد للهوى ألحاني

وعلى جبينك تنتهي أحزاني..

ونعود نذكر أمسيات ماضية

وأقول في عينيك أعذب أغنية

قطع الزمان رنينها فتوقفت

وغدت بقايا أمنية

أواه يا قلبي ..

بقايا أمنية

لقاء الغرباء..


علمتني الأشواق منذ لقاءنا

فرأيت في عينيك أحلام العمر

و شدوت لحنا في الوفاء.. لعله

ما زال يؤنسني بأيام السهر

و غرست حبك في الفؤاد و كلما

مضت السنين أراه دوما.. يزدهر

و أمام بيتك قد وضعت حقائبي

يوما و ودعت المتاعب و السفر

و غفرت للأيام كل خطيئة

و غفرت للدنيا.. و سامحت البشر

* * *

علمتني الأشواق كيف أعيشها

و عرفت كيف تهزني أشواقي

كم داعبت عيناي كل دقيقة..

أطياف عمر باسم الإشراق

كم شدني شوق إليك لعله

ما زال يحرق بالأسى أعماقي..

أو نلتقي بعد الوفاء.. كأننا

غرباء لم نحفظ عهودا بيننا

يا من وهبتك كل شيء إنني

ما زلت بالعهد المقدس.. مؤمنا

فإذا انتهت أيامنا فتذكري

أن الذي يهواك في الدنيا.. أنا

عندما ننتظر القطار


قالت: سأرجع ذات يوم

عندا يأتي الربيع..

و جلست أنظر نحوها

كالطفل يبكي غربة الأبوين

كالأمل الوديع

تتمزق الأيام في قلبي

و يصفعني الصقيع

كان الخريف يمد أطياف الظلال

و الشمس خلف الأفق تخنقها الروابي.. و الجبال

و نسائم الصيف العجوز

تدب حيرى.. في السماء

و أصابع الأيام تلدغنا

و يفزعنا الشتاء

و الناس خلف الباب تنتظر القطار..

و الساعة الحمقى تدق فتختفي

في الليل أطياف النهار

و اليأس فوق مقاعد الأحزان

يدعوني.. فأسرع بالفرار

* * *

الآن قد جاء الرحيل..

و أخذت أسأل كل شيء حولنا

و نظرت للصمت الحزين

لعلني.. أجد الجواب

أترى يعود الطير من بعد اغتراب؟

و تصافحت بين الدموع عيوننا

و مددت قلبي للسماء

لم يبق شيء غير دخان

يسير على الفضاء

و نظرت للدخان شيء من بقايا يعزيني

و قد عز اللقاء..

* * *

و رجعت وحدي في الطريق

اليأس فوق مقاعد الأحزان

يدعوني إلى اللحن الحزين

و ذهبت أنت و عشت وحدي.. كالسجين

هذي سنين العمر ضاعت

و انتهى حلم السنين

قد قلت:

سوف أعود يوما عندما يأتي الربيع

و أتي الربيع و بعده كم جاء للدنيا.. ربيع

و الليل يمضي.. و النهار

في كل يوم أبعث الآمال في قلبي

فأنتظر القطار..

الناس عادت.. و الربيع أتى

و ذاق القلب يأس الانتظار

أترى نسيت حبيبتي؟

أم أن تذكرة القطار تمزقت

و طويت فيها.. قصتي؟

يا ليتني قبل الرحيل تركت عندك ساعتي

فلقد ذهبت حبيبتي

و نسيت.. ميعاد القطار..!

الرحيل


قالت:

لأن الخوف يجمعنا.. يفرقنا

يمزقنا.. يساومنا ويحرق في مضاجعنا الأمان

وأراك كهفا صامتا لا نبض فيه.. ولا كيان

وأرى عيون الناس سجنا.. واسعا

أبوابها كالمارد الجبار

يصفعنا.. ويشرب دمعنا

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

ثيابك لم تعد تحميك من قهر الشتاء

وتمزقت أثوابنا

هذي كلاب الحي تنهش لحمنا

ثوبي تمزق هل تراه؟

صرنا عرايا في عيون الناس يصرخ عرينا

البرد والليل الطويل

العري واليأس الطويل

القهر والخوف الطويل

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

لعلك تذكر الطفل الصغير

قد كان أجمل ما رأت عيناك في هذا الزمان

يوما أتيتك أحمل الطفل الصغير

كم كنت أحلم أن يضيء العمر في زمن ضرير

أتراك تذكر صوته

كما كان يحملنا بعيدا..

كم كان يمنحنا الأمان.. على ثرى زمن بخيل

الطفل مات من الشتاء

يوما خلعت الثوب كي أحميه..

مضيت عارية ألملم في صغيري

كل ما قد كان عندي من رجاء..

لم ينفع الثوب القديم

الطفل مات من الشتاء

والبيت أصبح خاليا

أثوابنا وتمزقت

أحلامنا وتكسرت

أيامنا وتآكلت

وصغيرنا قد مات منا في جوانحنا دماه

ماذا فعلت لكي تعيد له الحياة؟

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

تعال الآن نهتف بين جدران السكون

قل أي شيء عن حكايتنا

عن الإنسان في زمن الجنون

اصرخ بدمعك أو جنون في الطريق

اصرخ بجرحك في زمان لا يفيق

قل أي شيء

قل إنه الطوفان يأكلنا و يطعم من بقايانا

كلاب الصيد و الغربان.. و الفئران في الزمن العقيم

قل ما تشاء عن الجحيم

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

لأنك جئت في زمن كسيح

قد ضاع عمرك مثل عمري.. في ثرى أمل ذبيح

دعني وحالي يا رفيقي هل ترى.. يشفى جريح من جريح؟

حلمي وحلمك يا حبيبي مع ضريح

ماذا تقول عن الرحيل؟!

* * *

قالت:

سأسأل عنك أحياء المدينة في خرائبها القديمة

شرفاتها الثكلى أغانيها العقيمة

وأقول كان العمر أقصر من أمانيه العظيمة

لا تنس انك في فؤادي حيث كنت

وحيث يحملني الطريق

سأظل أذكر أن في عينيك قافلتي.. وعاصفتي

وإيماني العميق

بأن حبك جنة كالوهم ليس لها طريق

لا تنس يوما عندما يأتي الزمان

بحلمنا العذب السعيد

فتش عن الطفل الصغير

وذكره بي..

واحمل إليه حكاية وهدية في يوم عيد..

الآن قد جاء الرحيل..

ما بعد رحيل الشمس



ما بعد رحيل الشمس

(1)

الوقت..

عين الليل يسبح في شواطئها السواد

والدرب يلبس حولنا ثوب الحداد

شيخ ينام على الرصيف

قط وفأر ميت القط يأكل في بقايا الفأر ثم يدور يرقص في عناد

والشيخ يصرخ جائعا ويصيح: يا رب العباد

هذا زمان مجاعة و الناس تسقط كالجراد

العمر

يا للعمر وقت ضائع

عام مضى.. عامان.. عشر

لست أعرف كم مضى..

فالعمر في قدم الرياح

والليل يلتهم الصباح

والجرح ينزف بالجراح

* * *

زمني

يقول الناس إني جئت في زمن حزين

وأنا أقول بأنني

قد جئت في الزمن الخطأ

ماذا يفيد صوابنا

إن صارت الدنيا و صارت الناس كالرقم الخطأ؟

خطواتنا الحيرى على هذا الطريق

تردد الأنفاس في أعماقنا

ونعيش في أوهامنا

لكننا نحيا مع الزمن الخطأ

* * *

عنوان أيامي

على المظروف أكتب اسم شارعنا القديم

ما عدت أذكر اسم شارعنا الجديد

الشارع المسكين صار حكاية..

قد غيروه.. وغيروه.. وغيروه

ما عاد يذكر اسمه

لكنني ما زلت أعرف اسم شارعنا القديم

* * *

أما أنا

قالوا بأني كنت يوما فارس العشق القديم

وبأن عمري صار بيتا

من بيوت العنكبوت

ولأنني رغم القبور.. ورغم موت الأرض

أرفض أن أموت

قالوا بأني فارس ما زال يرفض أن يموت

اليوم الأول بعد رحيل الشمس

(2)

ما زال حبك أمنيات حائرات في دمي

أشتاق كالأطفال ألهو.. ثم أشعر بالدوار

وأظل أحلم بالذي قد كان يوما..

أحمل الذكرى على صدري شعاعا..

كلما أختنق النهار

والدار يخنقها السكون

فئران حارتنا تعربد في البيوت

وسنابل الأحلام في يأس تموت

نظرت للمرآة في صمت حزين

العمر يرسم في تراب الوجه أحزان السنين

أصبحت بعدك كالعوز يردد الكلمات

يمضغها وينساها.. ويأكلها

ويدرك أن شيئا لا يقال

ما عدت أعبأ بالكلام

فالناس تعرف ما يقال

كل الذي عندي كلام لا يقال

اليوم الأول بعد المئة لرحيل الشمس

(3)

ولدي يسألني: لماذا أنت يا أبتي حزين..

لم تبتسم من ألف عام

أترى تخاف..

الوحش يا أبتاه في النهر الكبير

قالوا بأن الوحش قد أكل الطيور

ما زال يأكل في الزهور

الوحش يأكلنا ويشرب عمرنا

ويدور في كل الشوارع يخنق الأطفال يعبث بالقبور

الوحش يشرب كل ماء النهر ثم يبول في النهر العجوز

ويعود يشرب من جديد

والنهر بئر من دموع الناس

النهر جرح غائر الأعماق

تنبت في جوانحه الجراح

والوحش يسكر بالجراح

* * *

أشتاق عطرك كلما عادت مع الليل الهموم

ولدي يقول بأنني

لم أبتسم من ألف عام

قلبي وحزن النهر والأيتام في برد الطريق

حزني عنيد لا ينام

اليوم الأول بعد الألف لرحيل الشمس

(4)

في الدرب رائحة ومنديلي قديم

تتسلل الأحزان بين جوانحي

تتزاحم الرعشات بين أصابعي..

قد مات عصفوري الصغير

قد ظل يصرخ في عيون الناس يلتمس النجاة..

سقط الصغير على جناح الدار وانسابت دماه

الريش يعبث في عيوني مثل غيمات الشتاء

ويطير بين جوانحي شبح الدماء

ويصيح في صدري البكاء

عصفورنا في الدرب مات

* * *

يمضي علينا العمر.. والحلم الجميل

ما زال في صمت يقاوم كل أحزان الرحيل

اليوم الأول بعد.. لرحيل الشمس

(5)

أصبحت لا ألقاك صرت سحابة

عبرت على عمري كما يهفو النسيم

ورجعت للحزن الطويل

ما زلت ألمح بعض عطرك بين أطياف الأصيل

يمضي الزمان بعمرنا

الخوف يسخر بالقلوب

واليأس يسخر بالمنى

والناس تسخر بالنصيب

عصفورنا قد مات

من قال إن العمر يحسب بالسنين

* * *

الليل لم يرحم رحيل الزيت من قنديلنا

أخفى شعاعا كان يحمله القمر

والشمعة الثكلى تساقط ضوءها

ثم انزوت تبكي على صدر الظلام

وأنا أحدق.. كل شيء صار بعدك صامتا

الليل والقمر الذبيح

الشمعة الحيرى ومزماري الجريح

من يأخذ الأيام والعمر الطويل

لتعود شمس مدينتي

يا شمس.. فارسك القديم..

مازال يبكي عمره بعد الرحيل

إلى نهر فقد تمرده لماذا استكنت..


وأرضعتنا الخوف عمرا طويلا

وعلمتنا الصمت.. والمستحيل..

وأصبحت تهرب خلف السنين

تجيء وتغدو.. كطيف هزيل

لما استكنت؟

وقد كنت فينا شموخ الليالي

وكنت عطاء الزمان البخيل

تكسرت منا وكم من زمان

على راحتيك تكسر يوما..

ليبقى شموخك فوق الزمان

فكيف ارتضيت كهوف الهوان..

لقد كنت تأتي

وتحمل شيئا حبيبا علينا

يغير طعم الزمان الرديء..

فينساب في الأفق فجر مضيء..

وتبدو السماء بثوب جديد

تعانق أرضا طواها الجفاف

فيكبر كالضوء ثدي الحياة

ويصرخ فيها نشيد البكارة

ويصدح في الصمت صوت الوليد

لقد كنت تأتي

ونشرب منك كؤوس الشموخ

فنعلو.. ونعلو..

ونرفع كالشمس هامتنا

وتسري مع النور أحلامنا

فهل قيدوك.. كما قيدونا..؟!

وهل أسكتوك.. كما أسكتونا؟

* * *

دمائي منك..

ومنذ استكنت رأيت دمائي

بين العروق تميع.. تميع

وتصبح شيئا غريبا عليا

فليست دماء.. ولا هي ماء.. ولا هي طين

لقد علمونا ونحن الصغار

بأن دماءك لا تستكين

وراح الزمان.. وجاء الزمان

وسيفك فوق رقاب السنين

فكيف استكنت..

وكيف لمثلك أن يستكين

* * *

على وجنتيك بقايا هموم..

وفي مقلتيك انهيار وخوف

لماذا تخاف؟

لقد كنت يوما تخيف الملوك

فخافوا شموخك

خافوا جنونك

كان الأمان بأن يعبدوك

وراح الملوك وجاء الملوك

وما زلت أنت مليك الملوك

ولن يخلعوك..

فهل قيدوك لينهار فينا

زمان الشموخ؟

وعلمنا القيد صمت الهوان

فصرنا عبيدا.. كما استعبدوك

* * *

تعال لنحي الربيع القديم..

وطهر بمائك وجهي القبيح

وكسر قيودك.. كسر قيودي

شر البلية عمر كسيح

وهيا لنغرس عمرا جديدا

لينبت في القبح وجه جميل

فمنذ استكنت.. ومنذ استكنا

وعنوان بيتي شموخ ذليل

تعال نعيد الشموخ القديم

فلا أنت مصر.. ولا أنت نيل

وعشقتُ غيري ؟


وأتيتَ تسأل ياحبيبي عن هوايا

هل مايزال يعيش في قلبي ويسكن في الحنايا؟

هل ظل يكبر بين أعماقي ويسري..في دمايا؟

الحبُ ياعمري..تمزقه الخطايا

قد كنتَ يوماً حب عمري قبل ان تهوى..سوايا

***

أيامُك الخضراء ذاب ربيعُها

وتساقطت أزهاره في خاطري..

يامن غرسَت الحب بين جوانحي ..

وملكت قلبي واحتويت مشاعري

للملمت بالنسيان جرحي ..بعدما

ضيعت أيامي بحلم عابر..

*****

لو كنت تسمع صوت حبك في دمي

قد كان مثل النبض في أعماقي

كم غارت الخفقاتُ من همساته..

كم عانقته مع المنى أشواقي

***

قلبي تعلم كيف يجفو ..من جفاني

وسلكت درب البعد ..والنسيانِ

قد كان حبك في فؤادي روضة

ملأت حياتي بهجة ..وأغاني

وأتى الخريف فمات كل رحيقها

وغداالربيع..ممزقَ الأغصان

***

مازال في قلبي رحيقُ لقائنا

من ذاق طعمَ الحب..لا ينساه..

ماعاد يحملني حنيني للهوى

لكنني أحيا..على ذكراهُ

قلبي يعود إلي الطريق ولا يرى

في العمر شيئاً..غيرطيف صبانا

أيام كان الدربُ مثل قلوبنا..

نمضى عليه..فلا يملُ خطانا

يأس الطريـق



سألتُ الطريق : لماذا تعبت ؟ فقال بحزن : من السائرين
أنين الحيارى ..ضجيج السكارى زحام الدموع على الراحلين
وبين الحنايا بقايا أمان وأشلاءُ حب وعمرٌ حزين
وفوق المضاجع عطر الغواني وليلٌ يعربد في الجائعين
وطفلٌ تغرب بين الليالي وضاع غريباً مع الضائعين
وشيخٌ جفاهُ زمانٌ عقيم تهاوت علي رمال السنين
وليلٌ تمزقنا راحتاهُ كأنا خلقنا لكي نستكين
وزهرٌ ترنح فوق الروابي ومات حزيناً على العاشقين
فمن ذا سيرحمُ دمع الطريق وقد صار وحلاً من السائرين
همستُ إلى الدرب : صبراً جميلاً فقال : يئستُ من الصابرين !

عندما يغفـو القدر .. !


ورجعتُ أذكرُ في الربيع عهودَنا .. أيامَ صُغناها عبيراً للزهر
والأغنياتُ الحالماتُ بسحرِها سكرالزمانُ بخمرها وغفا القدر
الليلُ يجمعُ في الصباح ثيابه واللحنُ مشتاقاً يعانقه الوتر
العمر ما أحلاه عند صفائهِ يوم بقربك كان عندي بالعمر
إني دعوت الله دعوة عاشق ألا تفرقنا الحياةُ .. ولا البشر ..
قالوا بأن الله يغفر في الهوى كل الذنوب ولا يسامح من غدر
*** ***
ولقد رجعتُ الآن أذكر عهدنا من خان منا من تنكر .. من هجر !
فوجدتُ قلبك كالشتاء إذا صفا سيعودُ يعصفُ بالطيور .. وبالشجر
يوماً تحملت البعادَ مع الجفا ماذا سأفعلُ خبريني .. بالسهر ؟!
*** ***
ورجعتُ أذكر في الربيع عهودنا سألتُ مارس كيف عُدتَ بلا زهر؟
ونظرتُ لليل الجحود وراعني الليلُ يقطع بالظلام يَدَ القمر
والأغنياتُ الحائراتُ توقفت .. فوق النسيم وأغمضت عين الوتر
وكأن عهدَ الحب كان سحابةً عاشت سنين العُمر تحلم بالمطر
من خان منا صدقيني إنني ما زلت اسأل أين قلبُك .. هل غدر ؟
فلتسأليه إذا خلا لك ساعة كيف الربيع اليومَ يغتالُ الشجر ؟!

الحرف يقتلني

أنا شاعر ..

مازلت أرسم من نزيف الجُرح

أغنية جديدة ..

ما زلت أبني في سجون القهر

أزماناً سعيدة

مازلت أكتبُ

رغم أن الحرف يقتلني

ويلقيني أمام الناس

أنغاماً شريدة ..

أو كلما لاحت أمام العين

أمنية عنيده ..

ينساب سهم طائش في الليل ..

يُسقِطُها .... شهيدة ...

بائع الأحلام

تسألوني الحلم أفلس بائع الأحلام

ماذا أبيع لكم !

وصوتي ضاع وأختنق الكلام

ما زلت أصرخ في الشوارع

أوهم الأموات أني لم أمت كالناس ..

لم أصبح وراء الصمت شيئاً من حطام

مازلت كالمجنون

أحمل بعض أحلامي وأمضي في الزحام

***

لا تسألوني الحُلم

أفلس بائع الأحلام ..

فالأرض خاوية ..

وكل حدائق الأحلام يأكلها البَوَار

ماذا أبيع لكم .. ؟

وكل سنابل الأحلام في عيني دمار

ماذا أبيع لكم ؟

وأيامي انتظار ........ في انتظار

تحت أقدام الزمان

واستراحَ الشـوقُ منـي ..

وانزوى قلبي وحيداً ..

خلف جدرانِ التمنـي

واستكانَ الحـب في الأعماقِ

نبضاً .. غابَ عنّـي

آه يا دنـياي ..

عشتُ في سجني سنيناً

أكرهُ السجانَ عمري

أكره القيدَ الذي

يقصيك .. عني

جئتُ بعدك كي أغنّـي

تاه منّـي اللحنُ

وارتَجَفَ المغنّـي

خانني .. الوتـر الحزين

لم يعُد يسمعُ منّـي

هل ترى أبكيك حباً

أم تُرى أبكيك عمراً

أم ترى أبكي .. لأني

صرتُ بعدك .. لا أغنـي

***

آه يا لحناً قضيتُ العمـرَ

أجمعُ فيه نفسي !!

رغم كل الحـزنِ

عشتُ أراهُ أحلامي

ويأسي ..

ثم ضاع اللحـنُ منّـي

واستكـانْ

واستـراح الشوقُ

واختنقَ الحنـــانْ

***

حبنا قد ماتَ طفلاً

في رفاتِ الطفلِ

تصرخُ مهجتانْ

في ضريحِ الحبّ

تبكي شمعتانْ

هكذا نمضي .. حيارى

تحت أقدام الزمـانْ

كيف نغرقُ في زمانٍ

كل شيءٍ فيهِ

ينضحُ بالهـوانْ

وأنت الحقيقة لو يعلمون

يقولون عني كثيرا كثيرا

وأنت الحقيقة لو يعلمون

لأنك عندي زمان قديم

أفراح عمر وذكرى جنون

وسافرت أبحث في كل وجه

فألقاك ضوءا بكل العيون

يهون مع البعد جرح الأماني

ولكن حبك لا.. لا يهون

* * *

أحبك بيتا تواريت فيه

وقد ضقت يوما بقهر السنين

تناثرت بعدك في كل بيت

خداع الأماني وزيف الحنين

كهوف من الزيف ضمت فؤادي

وآه من الزيف لو تعلمين

* * *

لماذا رجعت زمانا توارى

وخلف فينا الأسى والعذاب

بقاياي في كل بيت تنادي

قصاصات عمري على كل باب

فأصبحت أحمل قلبا عجوزا

قليل الأماني كثير العتاب

* * *

لماذا رجعت وقد صرت لحنا

يطوف على الأرض بين السحاب؟

لماذا رجعت وقد صرت ذكرى

ودنيا من النور تؤوي الحيارى

وأرضا تلاشى عليها المكان؟

لماذا رجعت وقد صرت لحنا

ونهرا من الطهر ينساب فينا

يطهر فينا خطايا الزمان؟

فهل تقبلين قيود الزمان؟

وهل تقبلين كهوف المكان؟

أحبك عمرا نقي الضمير

إذا ضلل الزيف وجه الحياة

* * *

أحبك فجرا عنيد الضياء

إذا ما تهاوت قلاع النجاة

ولو دمر الزيف عشق القلوب

لما عاش في القلب عشق سواه

دعيني مع الزيف وحدي وسيفي

وتبقين أنت المنار البعيد

وتبقين رغم زحام الهموم

طهارة أمسي وبيتي الوحيد

أعود إليك إذا ضاق صدري

وأسقاني الدهر ما لا أريد

أطوف بعمري على كل بيت

أبيع الليالي بسعر زهيد

لقد عشت أشدو الهوى للحيارى

و بين ضلوعي يئن الحنين

وقد استكين لقهر الحياة

ولكن حبك لا يستكين

يقولون عني كثيرا كثيرا

وأنت الحقيقة لو تعلمين

في هذا الزمن المجنون

لا أفتح بابي للغرباء

لا أعرف أحدا

فالباب الصامت نقطة ضوء في عيني

أو ظلمة ليل أو سجان

فالدنيا حولي أبواب

لكن السجن بلا قضبان

والخوف الحائر في العينين

يثور ويقتحم الجدران

والحلم مليك مطرود

لا جاه لديه ولا سلطان

سجنوه زماناً في قفص

سرقوا الأوسمة مع التيجان

وانتشروا مثل الفئران

أكلوا شطآن النهر

وغاصوا في دم الأغصان

صلبوا أجنحة الطير

وباعوا الموتى والأكفان

قطعوا أوردة العدل

ونصبوا ( سيركاً ) للطغيان

في هذا الزمن المجنون

إما أن تغدوا دجالاً

أوتصبح بئراً من أحزان

لا تفتح بابك للفئران

كي يبقى فيك الإنسان !

أحزان ليلة ممطرة

السقف ينزف فوق رأسي

والجدار يئن من هول المطر

وأنا غريق بين أحزاني تطاردني الشوارع للأزقة .. للحفر !

في الوجه أطياف من الماضي

وفي العينين نامت كل أشباح السهر

والثوب يفضحني وحول يدي قيد لست أذكر عمرهُ

لكنه كل العمر ..

لا شيء في بيتي سوى صمت الليالي

والأماني غائمات في البصر

وهناك في الركن البعيد لفافة

فيها دعاء من أبي

تعويذة من قلب أمي لم يباركها القدر

دعواتها كانت بطول العمر والزمن العنيد المنتصر

أنا ماحزنت على سنين العمر طال العمر عندي .. أم قصر

لكن أحزاني على الوطن الجريح

وصرخة الحلم البريء المنكسر

...

فالماء أغرق غرفتي

وأنا غريب في بلاد الله

أدمنت الشواطيء والمنافي والسفر

كم كنت أبني كل يوم ألف قصر

فوق أوراق الشجر ..

كم كنت أزرع ألف بستان

على وجه القمر ..

كم كنت ألقي فوق موج الريح أجنحتي

وأرحل في أغاريد السحر

منذ انشطرت على جدار الحزن

ضاع القلب مني .. وانشطر ..

ورأيت أشلائي دموعا في عيون الشمس

تسقط بين أحزان النهر

وغدوت أنهاراً من الكلمات

في صمت الليالي .. تنهمر

قد كنت في يوم بريء الوجه

زار الخوف قلبي فانتحر

وحدائقي الخضراء ما عادت تغني

مثلما كانت ...

وصوتي كان في يوم عنيدا وانكسر

****

ولدي من عمري

وذكرى الأمس بعض من صور

فلتنظري صوري فإن الأمس أحيانا

يكون عزاء يوم ... يحتضر

هل تسمحين

بأن ينام على جفونك لحظة

طفل يطارده الخطر..

هل تسمحين

لمن أضاع العمر أسفاراً

بأن يرتاح يوماً ..

بين أحضان الزهر ...

اني لأفزع كلما جاءت

خيول الليل نحوي ..

يحتويني الهم .. يخنقني الضجر

اعتدت أن تعوى كلاب الصيد

في قدمي ... تحاصرني .... وتعبث في عيوني

كلما الجلاد في سفه .. أمر

اني أخاف على ثيابك من ثيابي

كلما أرجوه بعض الأمن ..

.. عطراً ... دندنات من وتر

****

لا تخجلي إن كان عندك بعض أصحاب

وجئت بثوبي العاري ببابك انتظر

لكنه حزن الصقيع ...

ووحشة الغرباء في ليل المطر

فالناس حولي يهرعون

وفي ثيابي نهر ماء

في عيوني بحر دمع

بين أعماقي حجر ..

وأريد صدراً لا يساومني على عمري

ولا يأسى على ماض عبر

فالعري أعرفه

وأعرف أن مثلي

في زمان الرق مطلوب

وأن الحرص لن يجدي

ولن يغني الحذر ...

****

اني سأرحل عندما يأتي قطار قطار الليل

لا تبكي لأجلي....

لا تلومي الحظ إن يوماً غدر

فأنا وحيد في في ليالي البرد

حتى الحزن صادقني زماناً

ثم في سأم .. هجر

إني أحبك ..

رغم أن الحب سلطان عظيم

عاش مطرودا

وكم داسته أقدام البشر

إني أحبك ..

فاتركيني الآن في عينيك أغفو

إن خلف الباب أحزان وعمر ينتحر

كل العصافير الجميلة أعدموها

فوق أغصان الشجر

كل الخفافيش الكئيبة

تملأ الشطئآن ..

تعبث فوق أشلاء النهر

***

لا تحزني ...

إن الزمان الراكع المهزوم لن يبقى

ولن تبقى خفافيش الحفر..

فغداً تصيح الأرض .. فالطوفان آت

والبراكين التي سجنت أراها تنفجر..

والصبح هذا الزائر المنفي من وطني

يطل الآن .. يجري .. ينتشر ..

وغداً أحبك مثلما يوم حلمت ...

بدون خوف ...

أو سجون ...

أو مطر ...

من قال أن النفط أغلى من دمي

من قال إنّ النفط أغلى من دمي؟!

ما دام يحكمنا الجنون..

سنرى كلاب الصيد

تلتهم الأجنة في البطون

سنرى حقول القمح ألغاماً

ونور الصبح ناراً في العيون

سنرى الصغار على المشانق

في صلاة الفجر جهراً يصلبون

ونرى على رأس الزمان

عويل خنزير قبيح الوجه

يقتحم المساجد والكنائس والحصون

وحين يحكمنا الجنون

لا زهرة بيضاء تشرق

فوق أشلاء الغصون

لا فرحة في عين طفل

نام في صدر حنون

لا دين..لا إيمان..لا حق

ولا عرض مصون

وتهون أقدار الشعوب

وكل شيء قد يهون

ما دام يحكمنا الجنون

أطفال بغداد الحزينة يسألون ..

عن أيّ ذنب يقتلون

يترنحون على شظايا الجوع ..

يقتسمون خبز الموت..

ثمّ يودعون

شبح الهنود الحمر يظهر في صقيع بلادنا

ويصيح فيها الطامعون..

من كلّ جنس يزحفون

تبدو شوارعنا بلون الدم تبدو قلوب الناس أشباحاً

ويغدو الحلم طيفاً عاجزاً

بين المهانة..والظنون

هذي كلاب الصيد فوق رؤوسنا تعوي

ونحن إلى المهالك..مسرعون..

أطفال بغداد الحزينة في الشوارع يصرخون

جيش التتار..يدق أبواب المدينة كالوباء..

ويزحف الطاعون

أحفاد هولاكو على جثث الصغار يزمجرون

صراخ الناس يقتحم السكون

أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات..

مخالب سوداء تنفذ في العيون

ما زال دجلة يذكر الأيام..

والماضي البعيد يطلّ من خلف القرون

عبر الغزاة هنا كثيرا..ثم راحوا..

أين راح العابرون؟؟

هذي مدينتنا..وكم باغ أتى..

ذهب الجميع

ونحن فيها صامدون

سيموت هولاكو

ويعود أطفال العراق

أمام دجلة يرقصون

لسنا الهنود الحمر..

حتى تنصبوا فينا المشانق

في كل شبر من ثرى بغداد

نهر..أو نخيل..أو حدائق

وإذا أردتم سوف نجعلها بنادق

سنحارب الطاغوت فوق الأرض..

بين الماء..في صمت الخنادق

إنا كرهنا الموت..لكن..

في سبيل الله نشعلها حرائق

ستظلّ في كل العصور وإن كرهتم

أمة الإسلام من خير الخلائق

أطفال بغداد الحزينة..

يرفعون الآن رايات الغضب

بغداد في أيدي الجبابرة الكبار..

تضيع منّا..تغتصب

أين العروبة..والسيوف البيض..

والخيل الضواري..والمآثر..والنّسب؟

أين الشعوب وأين العرب؟

البعض منهم قد شجب..

والبعض في خزي هرب

وهنالك من خلع الثياب..

لكلّ جّواد وهب..

في ساحة الشيطان يسعى الناس أفواجا

إلى مسرى الغنائم والذهب

والناس تسال عن بقايا أمّة

تدعى العرب!

كانت تعيش من المحيط إلى الخليج

ولم يعد في الكون شيء من مآثر أهلها..

ولكل مأساة سبب

باعوا الخيول..وقايضوا الفرسان

في سوق الخطب

فليسقط التاريخ..ولتحيا الخطب!!

أطفال بغداد يصرخون..

يأتي إلينا الموت في الّلعب الصغيرة

في الحدائق ..في المطاعم..في الغبار

تتساقط الجدران فوق مواكب التاريخ..

لا يبقى منها لنا ..جدار

عار..على زمن الحضارة..أيّ عار

من خلف آلاف الحدود..

يطلّ صاروخ لقيط الوجه..

لم يعرف له أبداً مدار

ويصيح فينا: "أين أسلحة الدمار؟؟"

هل بعد موت الضحكة العذراء فينا..

سوف يأتينا النهار

الطائرات تسد عين الشمس..

والأحلام في دمنا انتحار

فبأيّ حق تهدمون بيوتنا

وبأي قانون..تدمر ألف مئذنة..

وتنفث سيل نار

تمضي بنا الأيام في بغداد

من جوع..إلى جوع....ومن ظمأ..إلى ظمأ

وجه الكون جوع..أو حصار

يا سيد البيت الكبير.. يا لعنة الزمن الحقير

في وجهك الكذاب.. تخفي ألف وجه مستعار

نحن البداية في الرواية.. ثم يرفع الستار

هذي المهازل لن تكون نهاية المشوار

هل صار تجويع الشعوب.. وسام عزّ وافتخار؟!

هل صار قتل الناس في الصلوات.. ملهاة الكبار؟!

هل صار قتل الأبرياء.. شعار مجد..وانتصار؟!

أم أن حق الناس في أيامكم.. نهب..وذلّ ..وانكسار

الموت يسكن كل شيء حولنا.. ويطارد الأطفال من دار..لدار

ما زلت تسأل: "أين أسلحة الدمار.؟"

أطفال بغداد الحزينة..في المدارس يلعبون

كرة هنا..كرة هناك..طفل هنا..طفل هناك

قلم هنا..قلم هناك..لغم هنا..موت..هلاك

بين الشظايا..زهرة الصبار تبكي

والصغار على الملاعب يسقطون

بالأمس كانوا هنا..

كالحمائم في الفضاء يحلقون

فجر أضاء الكون يوما.. لا استكان ولا غفا

يا آل بيت محمد..كم حنّ قلبي للحسين..وكم هفا

غابت شموس الحق .. والعدل اختفى

مهما وفى الشرفاء في أيامنا.. زمن "النذالة" ما وفى

مهما صفى العقلاء في أوطاننا.. بئر الخيانة ما صفى..

بغداد يا بلد الرشيد..

يا قلعة التاريخ ..والزمن المجيد

بين ارتحال الليل و الصبح المجنح

لحظتان .. موت و عيد

مابين أشلاء الشهيد يهتز

عرش الكون في صوت الوليد

ما بين ليل قد رحل.. ينساب صبح بالأمل

لا تجزعي بلد الرشيد.. لكلّ طاغية أجل

طفل صغير..ذاب عشقا في العراق

كراسة بيضاء يحضنها..وبعض الفلّ..

بعض الشعر والأوراق

حصالة فيها قروش..من بقايا العيد..

دمع جامد يخفيه في الأحداق

عن صورة الأب الذي قد غاب يوما..لم يعد..

وانساب مثل الضوء في الأعماق

يتعانق الطفل الصغير مع التراب..

يطول بينهما العناق

خيط من الدم الغزير يسيل من فمه..

يذوب الصوت في دمه المراق

تخبو الملامح..كل شيء في الوجود

يصيح في ألم : فراق

والطفل يهمس في آسى:

اشتاق يا بغداد تمرك في فمي..

من قال إن النفط أغلى من دمي

بغداد لا .. لا تتألمي..

مهما تعالت صيحة البهتان في الزمن العَمي

فهناك في الأفق يبدو سرب أحلام.. يعانق انجمي

مهما توارى الحلم عن عينيك.. قومي..واحلمي

ولتنثري في ماء دجلة أعظمي

فالصبح سوف يطلّ يوما.. في مواكب مأتمي

الله اكبر من جنون الموت .. والموت البغيض الظالمِ

بغداد..لا تستسلمي.. بغداد ..لا تستسلمي

من قال إن النفط أغلى من دمي؟!

حبيبتي .. تغيرنا

تغير كل ما فينا..تغيرنا

تغير لون بشرتنا ...

تساقط زهر روضتنا

تهاوى سحر ماضينا

تغير كل ما فينا...تغيرنا

زمان كان يسعدنا ...نراه الآن يشقينا

وحب عاش في دمنا ...تسرب بين أيدينا

وشوق كان يحملنا ...فتسكرت أمانينا

ولحن كان يبعثنا ...إذا ماتت أغانينا تغيرنا

تغيرنا ....تغير كل ما فينا

*************

وأعجب من حكايتنا ...تكسر نبضها فينا

كهوف الصمت تجمعنا ...دروب الخوف تلقينا

وصرتِ حبيبتي طيفا لشيئ كان في صدري

قضينا العمر يفرحنا ....وعشنا العمر يبكينا

غدونا بعده موتى ..فمن يا قلب يحيينا ؟؟